للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"العقل الأداتي" أو "العقل المجرد" الذي نجح في دنياه المادية وفشل في الجانب المعنوي من حياة الإنسان (١).

وقد أدى هذا إلى التهوين من شأن العمليات الأخروية التي لا تبرز ثمارها بشكل مباشر لكل واحد، مثل العبادات والواجبات واجتناب المنهيات والتزام القيم.

وأدى أيضًا إلى الاهتمام بالعمليات الدنيوية ذات المردود الدنيوي والمباشر، وتولّد عنه سباق محموم للحاق بالغرب في هذه الأبواب الدنيوية.

ومن هنا أصبحت قيمة المعرفة العلمية ترتبط بما تحقق من "مكاسب - إنجازات - سبق - تطور" حتى وإن كانت حرامًا أو فيها شبهة، الربا في الاقتصاد، المنفعة في الأخلاق، حرية البحث في الطب دون حدود، علاقات بين الجنسين دون قيم، وغيرها.

ولكن دعوى علمية الجانب العملي من الحياة دون مراعاة للحلال والحرام والواجب والقيم يحتاج لإطار نظري تصوري وتشريعي يعطيه الحق في الحركة والعمل دون رقابة أو دون رادع من تقوى أو خلق، وقد جاء هذا الإطار من العلمانية بجانبيها السلبي والثبوتي، وكلاهما خطير؛ فالسلبي يقوم على فصل الحياة العملية عن الدين، والثبوتي يقوم على محاربة الدين وملاحقته في كل مكان وطرده بعنف مع تأسيس جديد لكل الحياة على أصول غير دينية.

الافتتان بالدنيا والاغترار بها أمر خطير، إنه يفتح الباب للعمل دون عناية بالحلال والحرام والقيم والآداب الشرعية والتقوى، والاقتناع بالعلمنة وتغلغل أصولها أمر خطير أيضًا؛ لأنه يفتح الباب لتشريع العمل السابق وينزع أي تردد من العامل ويطمس الألم الذي قد ينبع من بقايا الفطرة عند الوقوع في الانحراف.

تُعدّ علمنة الحياة العملية المشكلة الأخطر في نشاط العلوم الاجتماعية والإنسانية، حيث كانت العلمانية المدخل لنبذ الشريعة وتأسيس الحياة التي كانت الشريعة تتولى أمرها على أسس أخرى (٢)، حيث بدأت بدعوى تأسيس الحياة


(١) انظر: يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت. . . .، حسن مصدق ص ٩٧ وما بعدها، وانظر: سؤال الأخلاق ص ٥٩ وما بعدها.
(٢) سيأتي مزيد بحث للعلمنة في المبحث الأول من الفصل الأول من الباب الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>