للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن النسبية العملية قد تعززت بنظرية النسبية الفيزيائية، فإذا كانت الظواهر المادية ذات مظهر نسبي بوجهٍ ما؛ فمن باب أولى الظواهر الاجتماعية العملية، وإن كان القول بالنسبية أقدم من نظرية النسبية الفيزيائية المعاصرة بكثير. وللنسبية حضور قوي في الفكر الغربي مصدر المتغربين، وكما يقول خليل أحمد: "تهيمن النسبوية على عصرنا وتفعل في الفلسفة الحديثة كـ"وسواس خناس" يوسوس في عقول الغربيين: "موت الإله"، "موت الإنسان"، "موت الفن"،. . . ." (١)، فما المقصود بها؟

"النسبية مذهب من يقرر أن كل معرفة "أو كل معرفة إنسانية" فهي نسبية. والنسبية الأخلاقية. . . . مذهب من يقرر أن فكرة الخير والشر تتغير بتغير الزمان والمكان، من غير أن يكون هذا التغير مصحوبًا بتقدم معين" (٢).

وهناك "نسبية المعرفة"، ومن معانيها: "أن المعرفة الإنسانية نسبة بين الذات العارفة والموضوع المعروف، وأن العقل الإنساني لا يحيط بكل شيء، وإذا أحاط ببعض جوانب الأشياء صبها في قوالبه الخاصة" (٣)، وخلاصتها: "ترجع إلى القول أن العقل لا يستطيع أن يعرف كل شيء، فإذا عرف بعض الأشياء لم يستطع أن يحيط بها إحاطة تامة. وما من فكرة في العقل إلا كان إدراكها تابعًا لمعارضتها بفكرة سابقة مختلفة عنها أو شبيهة بها" (٤).

تتجه فلسفة العلم المعاصرة لتأكيد نسبية المعرفة في باب العلوم الطبيعية وإن كان ضمن معنى ضيق ليس هو ما يتبادر لأصحاب المعرفة العامة، ومع ذلك فلها أبعادها في بقية العلوم والأفكار والأيديولوجيات. وفي الغالب أن صاحب المنظور الإِسلامي يتفق مع هذا الموقف النسبوي، ويراه صحيحًا ما دام الأمر يتعلق بما يتصوره البشر عن العالم من حولهم وما يقومون به من عمل وفق مبادئهم وقيمهم التي يتفقون عليها بعيدًا عن المصدر السماوي، فمهما بلغت عقلية الفكرة وعلميتها فهي محكومة بحدود البشر، ولذا تبقى


(١) مفاتيح العلوم الإنسانية، د. خليل أحمد ص ٤٣١.
(٢) المعجم الفلسفي، د. جميل صليبا ٢/ ٤٦٦.
(٣) المرجع السابق ٢/ ٤٦٦.
(٤) المرجع السابق ٢/ ٤٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>