معرفتهم مهما بلغت معرفةً نسبيةً ما لم تهتد بهدي الوحي وما لم تستنير بنوره.
وقد عرض "سالم يفوت" مجموعة مؤلفات جديدة في فلسفة العلم ثم قال: "فقد أكد هؤلاء، رغم اختلافهم، أن الحقيقة العلمية ليست حقيقة إلا بالنظر إلى المعايير والمواثيق التي ولّدتها، والتي هي معايير ومواثيق تحكم النظرة العلمية للفترة أو العصر، وتجعل العالم خاضعًا لقوانين وضوابط، على ضوئها يمنح الاكتشاف أو التجديد مشروعيته أو صلاحيته، شريطة أن ينصب في القنوات المعتمدة والمتبعة، وألا يناقض البنية العلمية السائدة والرسمية. وأكدوا كذلك أن تاريخ الأفكار العلمية يحكمه جدل التقدم والنفي، فتقدمه يتم عبر مراجعات وإعادة سبك، ومقاطعة مع الماضي أحيانًا والتخلي عنه. فتاريخ العلم هو تاريخ العقلانية المتزايدة باستمرار، أو تاريخ غزو المعقول للامعقول. وبهذا المعنى أمكن الحديث عن نسبية الحقيقة العلمية وتبعيتها لدرجة المعقولية التي يبلغها العلم، والتي ما يلبث أن يتنكر لها ليحيلها إلى لا معقولية"(١)، فهذا المعنى الذي تؤكده فلسفة العلم المعاصرة ويأخذ به يفوت صحيح في الجملة ما دامت تلك المعرفة لا تجد ركنًا تستند إليه، وهي أكثر وضوحًا في الجوانب الغيبية التي يكون الحديث عنها غالبًا من رجم الغيب، وفي الجوانب العملية؛ لأن حياة الإنسان أعقد بكثير من الجوانب الطبيعية، فإذا أمكن القول بوجود نسبية من نوعٍ ما في الطبيعة الجامدة، وهي التي يُظَن تيسر الإمساك بحقيقتها، فإنها في جانب حياة الإنسان ومصالحه التي تجلب له، والمفاسد التي تدفع عنه تكون أكثر صعوبة على العقل الإنساني، ومن هنا حاجة البشر لشريعة الرحمن الرحيم العليم الحكيم سبحانه.
ومن بين الأمثلة التي تؤصل لهذا المبدأ ما نجده في دراسة اجتماعية لميدان الأخلاق، يعرض صاحبها لقواعد أساسية يفرضها المنهج العلمي لدراسة الظواهر الخلقية، وذكر قاعدة النسبية:"قاعدة الإيمان بالحقيقة النسبية " Relativity" حيث إن موجودات العالم التي تحيط بنا هي "أشياء موضوعية"، أما ما نتصوره أو ما نتمثله فهو "تصورات" أو "أشياء ذاتية" ولا ينبغي إطلاقًا أن
(١) الموسوعة الفلسفية العربية ٢/ ١٣٢٩، مادة (النسبية) لسالم يفوت.