للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلما هي منشأ أحكام القيمية" (١)، فإذا كان الإنسان جزءًا من الطبيعة؛ فهو يُدرس بكل مكوناته بما فيها قيمه بما تُدرس به الطبيعة، والطبيعة تُدرس بعلوم تجريبية حسية فكذلك الإنسان، لذا ترد القيمة "إلى الذات أو الفاعل بما له من خصائص معينة، يختلفون فيما بينهم عليها، ولا تُردّ إلى الموضوع"، فالقيمة ليس لها وجود موضوعي وإنما هي ذاتية، وبذلك تكون نسبية، وبما أن الطبيعة بحسب مذهبهم تخضع لحتمية صارمة فكذلك الإنسان، فيعدون "الذات ظاهرة طبيعية تخضع لحتمية القوانين الطبيعية. وقد يتنازعون في التوكيد على نوع القوانين، أيهما أشدّ أثرًا في الإنسان، هل هي القوانين البيولوجية، أو هي النفسية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية" (٢).

وقد برزت هذه النزعة العلموية بقوة في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، فمع نجاحات العلم في ذاك الوقت وانبهار الناس به، وجدت تيارات فكرية تقضي بأنه الحصان المناسب في هذه المرحلة، ومنهم الاتجاهات العلموية التي غلت في العلم، والتي تطمح إلى بناء كل شيء على العلم سواء تعلق الأمر بالمعرفة أو بالسلوك (٣)، وقد تطورت هذه الاتجاهات فيما بعد، وانقسمت مع العلوم الجديدة ولاسيّما الاجتماعية إلى مواقف شتى (٤)، ومن ذلك المواقف التالية:

الموقف الأول: البيولوجي، وفيه تعالج الأخلاق من منظور بيولوجي يلحون على إبرازه، وتدرس وفق قانون التطور، وهم امتداد لأفكار داروين والدارونية (٥)، فكما أن الحياة تطورت من خلية إلى أن وصلت لهذا الإنسان،


(١) نظرية القيم في الفكر المعاصر، د. صلاح قنصوه ص ٦٥.
(٢) المرجع السابق ص ٦٥، وانظر حول هذه الحتميات الأربع: في فلسفة العلم من الحتمية إلى الحتمية، د. يمنى الخولي ص ٢٠٨ - ٢٤٩.
(٣) انظر: قضايا في الفكر المعاصر، د. محمَّد الجابري ص ٤١ - ٤٢، وانظر: الموسوعة الفلسفية العربية ص ٩٧٢، وانظر: الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع، د. السيد بدوي ص ١٣٩.
(٤) يمكن الرجوع للمذاهب الأخلاقية مختصرة في: الموسوعة الفلسفية العربية ص ٢ - ٤٣، و ٨٢٠ - ٨٢٥، و ٩٦٤ - ٩٤٧، وبتوسع في الكتب الأخلاقية مثل: نظرية القيمة في الفكر المعاصر، د. صلاح قنصوه، وكتب عادل العوا ومنها: المذاهب الأخلاقية عرض ونقد، والعمدة في فلسفة القيم، وكتب توفيق الطويل ومنها: فلسفة الأخلاق.
(٥) انظر: نظرية القيم في الفكر المعاصر، قنصوه، ٦٩ - ٧١، وانظر: الموسوعة الفلسفية =

<<  <  ج: ص:  >  >>