للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكذا باب القيم والأخلاق تتطور بتطوره بل حتى الدين يتطور، وهو تطور تحكمه حتمية طبيعية بقوانينها الذاتية، وأي تفسير غيبي أو تفسير ميتافيزيقي لهذا التطور لا تقبله التطورية، يقول وليم جيمس البراجماتي عن أثر الدارونية: "إن فلسفة النشوء والارتقاء قد ألغت المعايير الأخلاقية التي سبقتها كلها؛ لأنها رأتها معايير ذاتية شخصية، وقدمت لنا بدلها معيارًا آخر نتعرف به الخير من الشر، وبما أن المعايير السابقة معايير نسبية فهي مدعاة للقلق والاضطراب، وأما هذا المعيار الذي ارتضوه وهو أن الحس ما قدر له أن يظهر أو يبقى فهو معيار موضوعي محدد" (١)، ومع ذلك فهذا المعيار المدعى أحال إلى فوضى أشد.

وقد أخذ التغريب بهذا الموقف في فترة من تاريخنا المعاصر لأكثر من خمسين عامًا، ومع عدم وجود دارونيين عرب الآن إلا أن الأفكار التطورية قد تسربت إلى الفكر التغريبي تحت أسماء أخرى، كما أن فكرة التطور أصبحت ذات امتداد في الفكر التغريبي بما يوحي أن التطور يشمل كل شيء بما في ذلك الدين وما يرتبط به، ومن ثم زعزعة الثوابت التي لا تقبل التغير (٢).

لا يوجد ثبات للأخلاق مع فكرة التطور؛ لأنها في نمو مستمر، وهي إن حملت مفهوم الغائية إلا أنه يصعب إدراكها؛ لأننا لا نعلم إلى أين سيوصلنا التطور الحتمي، وما نعيشه لا يُعد مقياسًا للأخلاق فضلًا عن القول: إنها قديمة أو موروثة.

يرفض أصحاب هذا الموقف استقرار الأخلاق أو وجود أخلاق معيارية أو مثل عليا، كما أن الأخلاق تنبع هنا من التطور الطبيعي، فلا علاقة لها بالدين أو العقل.

الموقف الثاني: النفسية، "وتتفق هذه المواقف على رد القيمة إلى محتوى الوعي أو الوجدان النفسي بما يضطرب به من رغبات ومشاعر، فليس ثمّة قيمة إلا ما كان يرضي رغبة، أو يثير انفعالًا، أو يجسد دافعًا، وبذلك لا تكون القيمة


= العربية ص ٤٣، وانظر: المذاهب الأخلاقية .. ، د. عادل العوا ٢/ ٢٠٧ وما بعدها.
(١) القيم بين الإِسلام والغرب. . . .، د. المانع ص ٢٥٤.
(٢) سيأتي زيادة تعريف بهذا التيار في الفصل الثاني من الباب الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>