للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنموذج الأخلاق الذي يعتمد على سلطة خارجية، والذي يجعلنا عبيدًا لأخلاق تنبع من سلطة خارجة عن أنفسنا (١). ثم تأتي الدراسة إلى مرحلة التحول وفيها "أنه قد عاد في كتابته الأخيرة، في مرحلة الأصالة والمعاصرة، وتراجع بعض الشيء عن هذا الموقف، وكانت العلة وراء هذا التغير هو ظهور عامل الوجدان والدين والثقافة كعوامل مؤثرة في رؤيته الحضارية، إلى جانب عامل العلم. فرأى أن هناك قيمًا نسبية يجب تغيرها دائمًا وفق تغير الحياة، وهناك بجانبها قيم أخرى ثابتة" (٢)، وهي لفتة مهمة في البحث السابق حول محدودية التغير. إلا أن أحد المهتمين بالدراسات الأخلاقية يؤكد عدم وجود تغير في فكر زكي نجيب، وأنه ظل مفكرًا وضعيًا على مستوى المنهج (٣).

نبحث الآن عن موقفه من الأخلاق تحت تأثير العلمية المدّعاة، وننظر لحقيقتها قبل التحول وبعده، فقبل التحول نجد فقرة ختامية في كتابه: "نحو فلسفة علمية" بعنوان "نسبية الأخلاق"، فكما أن النظريات العلمية الحديثة تقول بالنسبية في مجال الطبيعة فكذا الأمر في عالم القيم الجمالية والأخلاق، "وكشف التحليل المنطقي للأحكام الدالة على قِيَم أنها ليست من المعرفة إطلاقًا، فضلًا عن أن توصف بما يوصف به أدق أنواع المعرفة من اليقين" (٤)، وفي كتاب آخر يقول عنه: "الغاية الرئيسية من هذا الكتاب هي بيان أن العبارات الميتافيزيقية خلو من المعنى، مع تحديد "الميتافيزيقا" بأنها البحث في أشياء لا تقع تحت الحس، لا فعلًا ولا إمكانًا؛ لأنها أشياء بحكم تعريفها لا يمكن أن تُدرك بحاسة من الحواس"، ومثّل على ذلك بالخير والجمال فقال: "فإننا نرى العبارات التي تتحدث عن هاتين القيمتين في الأشياء -قيمة الخير وقيمة الجمال- خالية من المعنى، ولا تصلح أن تكون علمًا ولا جزءًا من علم" (٥).

يضيق معيار الحس الأساسي في العلوم الطبيعية عندما يتجاوز الطبيعة إلى


(١) انظر: الفكر الديني عند زكي نجيب محمود، د. منى أبو زيد ص ٢١٧ - ٢١٨.
(٢) المرجع السابق ص ٢٢٠ - ٢٢١، وتغميق النص من الباحث.
(٣) انظر: النظرية العامة للقيمة: دراسة للقيم في الفكر المعاصر، د. أحمد عطية ص ٣٤٥ - ٣٤٦.
(٤) انظر: نحو فلسفة علمية، د. زكي محمود ص ٣٥٩.
(٥) موقف من الميتافيزيقا، د. زكي محمود ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>