للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجتمعات التي تستغلها بديلًا سماويًا أو على الأقل مثاليًا للبؤس الذي تسببه. . . . والعكس صحيح إذ ليست المجتمعات المسحوقة بحاجة أثناء نضالها لمثل هذه الأوهام. . . ."، وترتبط أخلاقيات المجتمعات المسحوقة بالإنسان، "الإنسان بنظرها هو مقياس كل شيء وليس الله. . . . إن ميزة العلمية الأخلاقية هي بالتأكيد الانطلاق من عالم الإنسان، محاولة إقامة عالم إنساني، باختصار هي ضد كل الأخلاق اللاهوتية"، ثم هو يربط هذا التوجه العلمي المزعوم بالمادية القديمة والحديثة، ويبدأ مع القديمة -لاسيّما ذات الموقف الإلحادي- التي كنست كما يقول: "كل الخرافات والأساطير القديمة، كما تمكننا من امتلاك نظرة علمية عن الطبيعة"، والإنسان في هذه النظرة جزء من الطبيعة (١)، ويصل لخلاصة: "حملت المادية القديمة معها الإلحاد، والنظرة العلمية عن الطبيعة، والسكينة النفسية للحصول على السعادة الأرضية، والعقلانية الأخلاقية، ولكنها كانت محدودة" (٢).

ثم انتقل لبعض المقتطفات السريعة عن الفلسفة الحديثة، لاسيّما تلك التي تميل للمادية ليصل للآتي: "تقتضي المرحلة الأولى لكل علمية نبذ الأوهام الدينية والمثالية وبذلك لا يعود الإنسان قزمًا ولا خارقًا، فليقتنع بأننا جزء من الطبيعة الكاملة ونتبع نظامها" (٣)، ولكنها بقيت أخلاق مادية جامدة وثابتة، حتى جاءت الدارونية فحطمت هذا الثبات (٤). وبعد الاستعراض المادح لهذه المادية يختم بفقرة يتيمة يعلن فيها شيئًا من تحفظه فيقول: "وإذا كان لمختلف أشكال المادية العلمية فضلٌ في إبعاد الأخلاق عن المفاهيم غير الطبيعية والدينية، ووضع الإنسان ضمن الطبيعة؛ فإنها حملت معها أيضًا نقطة ضعف مشتركة، وهي اعتبار الإنسان شذرة من الطبيعة، خاضعة فقط لقوانين هذا أو ذاك من علومها .. " (٥)، فيحصر مشكلتها في تحويلها الإنسان إلى ترس في هذه الطبيعة ويغفل عن خطورة إبعادها الإنسان عن الدين الحق وقيمه وأخلاقه وشرائعه.


(١) انظر: البنى الأساسية في علم الأخلاق، د. محمَّد الجبر ص ٢٤ - ٢٦.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٢٦.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٢٩.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ٣١.
(٥) انظر: المرجع السابق ص ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>