للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهالة بينة، وهو فيها كما قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ}. . . . إن علم الطب من أكثر العلوم احتياجًا إلى التفصيل، حتى إن المريض يكون الشيء دواءه في ساعة، ثم يصير داء له في الساعة التي تليها بعارض يعرض من غضب يحمي مزاجه، فيغير علاجه، أو هواء يتغير، أو غير ذلك مما لا تحصى كثرته. فإذا وجد الشفاء بشيء في حالة بالشخص لم يلزم منه الشفاء به في سائر الأحوال وجميع الأشخاص. والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والغذاء والعادة المتقدمة، والتدبير المألوف، وقوة الطباع" (١)، وهي فقرة مهمة تبين أن الطب النبوي قد لا يراد به عموم الأحوال والأمكنة، فإن له شروطه التي متى وقعت وقع الانتفاع بالدواء.

وقد عرف باب الطب عناية من قبل علماء المسلمين، لاسيّما النبوي منه لكون الطب البشري متروكًا لجهد البشر (٢)، فخصه جامعو السنة النبوية بأبواب مثل البخاري وغيره، كما أنه قد عرف التأليف المستقل في باب الطب النبوي (٣)، ومن بين أقدم الكتب المفردة حول الطب النبوي نجد كتاب ابن حبيب الأندلسي، ويمتاز كتابه بأنه أول ما أُلف في الباب، وقد جمع فيه بين الهدي النبوي وبين العلم الصحيح النافع مما هو عند الأمم الأخرى، لاسيّما ما هو منقول عن اليونان وذلك قبل ظهور حركة الترجمة المشهورة عن اليونان (٤).


(١) شرح النووي على مسلم، المجلد السابع، الجزء ١٤/ ١٩١ - ١٩٢، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي، وانظر: فتح الباري لابن حجر ١٠/ ١٦٩ - ١٧٠.
(٢) لقد ترك جانب منه للجهد البشري، فإن العلوم الطبية كعلم التشريح والغرائز والأمراض والأدوية و. . . . لا تدخل في مهمات الرسالة السماوية، فإن تطويرها وترقيتها متروك للجهد البشر وأبحاثهم العلمية وتجاربهم، نعم إن الدين يشملها بالتوجيه، انظر: الطب النبوي والعلم الحديث، د. محمود النسيمي ص ٨ - ٩، وانظر: فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة رقم (٦٢٤٩) ضمن مجموع فتاوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ١٢/ ٦٤.
(٣) انظر: الطب النبوي، عبد الملك بن حبيب، شرح وتعليق د. محمَّد البار ص ٧ - ٨ للمحقق، وانظر: خمسون فصلًا في التداوي والعلاج والطب النبوي، لابن مفلح، بعناية عادل آل محمد ص ٥، وانظر: الأسس الإبستمولوجية لتاريخ الطب العربي. رؤية معرفية في تاريخ الحضارات، د. خالد حربي ص ١٣٢، وانظر: روائع الطب الإِسلامي، الجزء الأول: القسم العلاجي، د. محمَّد الدقر ص ١١.
(٤) انظر: مقدمة المحقق كتاب الطب النبوي، عبد الملك بن حبيب، شرح وتعليق د. محمَّد البار ص ٩، ٢٥، ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>