للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعد وثيقة قديمة في عناية علماء الإِسلام في الجمع بين الدين والطب وعنايتهم بالأمور الطبية من وقت مبكر، وفي استفادتهم مما صح من علوم الأمم الأخرى أو يظنون فيها نفعًا ولا تعارض الدين (١)، ولكن عندما تتم الاستفادة من قبل عالم بالشرع (٢)، فهو يتلافى مشكلاتها التي قد تتعارض مع التصور الإِسلامي. "وقد كان قدوتنا - صلى الله عليه وسلم - يطلب الطبيب لغيره وكان الأطباء يأتونه أيضًا، فقد روي عن عائشة أنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثرت أسقامه فكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فنعالجه، وروي أن عروة كان يقول لعائشة: يا أماه، لا أعجب من فقهك أقول: زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو ومن أين هو؟ قال: فضربت على منكبيه، وقالت: أي عرية، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسقم عند آخر عمره، وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فكانت تنعت له الأنعات وكنت أعالجها فمن ثم علمت" (٣).

وقد كان هذا الجهد الإِسلامي في باب التأليف حول الطب من أجل وضع الأصول الإِسلامية لهذا الجانب المهم من حياة البشرية، فقد جاء الإسلام ليؤسس لحياة جديدة مختلفة تمام الاختلاف ومتميزة عن غيرها، ومن ذلك ما له


(١) خص "ابن حبيب" النظرية اليونانية بقسم من مؤلفه، وقد اعتمد هذه النظرية الأطباء المسلمون، وكل من كتب في الطب بما في ذلك الأعلام من المحدثين والفقهاء الذين كتبوا في الطب النبوي من أمثال ابن حبيب وعلي الرضا وابن القيم والذهبي والسيوطي وغيرهم مع أن الطب الحديث لم يعد يعترف بهذه النظرية، انظر: المرجع السابق ص ٢٨.
(٢) ابن حبيب الإِمام العلامة، فقيه الأندلس، أبو مروان، عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة بن الصحابي عباس بن مرداس، السلمي العباسي الأندلسي القرطبي المالكي، أحد الأعلام، ولد في حياة الإِمام مالك بعد السبعين ومئة، وكان موصوفًا بالحذق في الفقه، كبير الشأن، بعيد الصيت، كثير التصانيف إلا أنه في باب الرواية ليس بمتقن، قال أبو القاسم بن بشكوال: قيل لسحنون: مات ابن حبيب، فقال: مات عالم الأندلس! بل -والله- عالم الدنيا. سير أعلام النبلاء، الذهبي ١٢/ ١٠٢. وانظر ترجمته في: المرجع السابق ص ١٣ وما بعدها.
(٣) المسند برقم (٢٤٨٨٤)، طبعة بيت الأفكار الدولية، وقال محقق (خمسون فصلًا في التداوي والعلاج والطب النبوي، لابن مفلح) عادل آل محمد ص ١٣: أخرجه الإِمام أحمد ورجال الإسناد كلهم ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>