للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرًا من المتعلمين والمثقفين "ودعك من العوام"، لا يزالوا يعتقدون حتى الآن في أن بعض الأمراض النفسية والعصبية تنشأ أساسًا من مس الجن أو العفريت للإنسان، أو أنه يتقمص جسده،. . . ." (١)، ومع خلطه بين الرقية الشرعية وغير الشرعية يقع في إشكال آخر، حيث يظهر من كلامه إنكاره للمسّ وأثره في الأمراض النفسية مع ثبوته بنصوص شرعية.

وبقدر ما نؤكد منع الإِسلام من التداوي السحري أو الخرافي أو المحرم نثبت ما جاء إثباته في الطب النبوي من أبواب العلاج الشرعية التي دلنا عليها رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -، والعجيب أن العالم اليوم يعود للأدوية الطبيعية مع أن الطب النبوي قد جاء بالكثير منها (٢)، ويعودون للشرق الأقصى (٣) ويتقبلون أدويته بديلًا عن أدوية الحضارة المعقدة ومع ذلك يتركون ما أرشد له الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الصحة وحفظ النفس والعقل وغيرها من أمور الوقاية العلاجية.

وبعد، فإن الطب وإن كان من علوم الدنيا إلا أن له أصولًا ترتبط بالتصور الإِسلامي، وما كانت هناك مشكلات في الزمن الماضي حول هذا الباب باستثناء نوعين من التداوي، وهما التداوي بحرام أو التداوي بالسحر، ومع ظاهرة العلمنة للعلوم دخل أثرها إلى الطب أيضًا، ومن ذلك ما دخل باب التداوي من المشكلات تحت مسمى العلمية، وهي غالبًا إما بنفي ما لم يحيطوا به علمًا، من مثل نفي الرقى الشرعية والأدوية النبوية، أو بفتح الباب لأدوية محرمة جديدة تحت مسمى العلمية مثل بعض صور العلاج النفسي. وقد شارك المتغربون في هذا الباب، فصرنا نقرأ ونسمع عن مشكلات الكبت ودورها في العُصاب والعلاج لها يكون بإزالة الكبت بطرق ابتدعوها، وإذا بها في حقيقة أمرها ترتبط بتصور إلحادي. ومن هنا جاء خطر التعامل مع الطب المُعَلْمَن دون جهد في التنقية لاسيّما في باب الطب النفسي. نترك هذا المثال وننتقل إلى مثال جديد من الانحراف التغريبي في باب الشريعة.


(١) المرجع السابق ص ٨١.
(٢) انظر: الأسس الإبستمولوجية لتاريخ الطب العربي. رؤية معرفية في تاريخ الحضارات، د. خالد حربي ص ١٤٧.
(٣) انظر: في فلسفة الطب ص ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>