للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالبيئة العلمية الجديدة القائمة على البحث عن قوانين طبيعية لكل شيء (١) فأسس لعلم الاقتصاد الحديث وجعله متماشيًا مع هذه الحرية والعلمية الطبيعية، وقد بلغ الانسياق مع العلمية الطبيعية الحتمية حدًا متطرفًا في عدم أخلاقيتها مع "مالتس" الذي يرى أن هذه القوانين الطبيعية الحتمية تؤدي للتفاوت الطبقي، وينتج عنها أن الفاقة والبؤس هما النصيب الحتمي للغالبية العظمى من الشعب، "وأن كل محاولة للتخفيف عن كاهل الطبقة المعدمة بصرف النظر عن دوافعها الإنسانية النبيلة لابد وأن تؤدي في النهاية إلى زيادة بؤس وفاقة الطبقة العاملة. وعليه فالإنسان المستنير بحسب رأي "مالتس" يجب أن يشجب إعادة توزيع الثروة وغيرها من السبل الرامية لتحسين أوضاع الطبقات الفقيرة، كما يجب أن يسفه هؤلاء المصلحين السذج الذين لو أخذ المجتمع بآرائهم المبنية على الخيال لا الواقع لازداد بؤسًا وتعاسة" (٢).

نموذجان للانحراف في باب التعامل بالربا:

النموذج الأول: الرأسمالي:

نجد دفاعًا قويًا عن الفائدة عند عدد من الاقتصاديين، ويربطون مصير التقدم الاقتصادي بالربا، فمثلًا الدكتور "سعيد النجار" الذي يرى أن سعر الفائدة يؤدي وظيفة حيوية، وأن إلغاءها بدعوى اندراجها في الربا، يعود بأوخم العواقب وأفدح الأضرار على الأمة الإِسلامية، وأن سعر الفائدة هو الجهاز العصبي للنظام المصرفي، وأن السير لإلغائها قد يكون نهاية الاقتصاد المصري (٣). وقد علق عليه د. رفيق المصري فقال: "إن الذين قالوا بأن علينا أن نقبل الحضارة الغربية بخيرها وشرها، وحلوها ومرها، أرى قولهم مقبولًا في حالة واحدة: عندما تستغلق على مفكرينا وقادتنا أي قدرة على التمييز، فننضم إلى القافلة، فإذا تقدموا تقدمنا معهم، وإذا سقطوا سقطنا.

إن الدكتور النجار يبدو لي أنه، ككثيرين غيره، قد يقبل الابتكار، لكن من جهة الرأسماليين، لا من جهة المسلمين، وهو عالم، ولكنه مقلد "للمذهب


(١) انظر: المرجع السابق، د. محسن كاظم ص ١٢٨ - ١٢٩.
(٢) المرجع السابق، د. محسن كاظم ص ١٧١.
(٣) انظر: الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. رفيق المصري ص ٣٠ - ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>