للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرس خاص عند أغلب المفكرين الجدد، وامتدت إلى الاقتصاد (١)، يقول باحث غربي: "وصار لزامًا على الذين نبذوا الإيمان بالله كلية أن يبحثوا عن بديل لذلك، ووجدوه في الطبيعة، أما الذين ظلوا على استمساكهم بالدين ولو باللسان -وإن لم يكن في الواقع كما هو أغلبهم- فقد اعتقدوا أن الله يعبر عن إرادته عن طريق الطبيعة وقوانينها، وليس بوسيلة مباشرة، وبذلك لم تعد الطبيعة مجرد شيء له وجود فحسب، وإنما هو شيء ينبغي أن يطاع، وصارت مخالفتها دليلًا على نقص في التقوى والأخلاق" (٢)، فأُطلق على رواد علم الاقتصاد الحديث اسم الطبيعيين، وتحول إلى نظام له اسمه ومفاهيمه، ويمكن تسميته بالاقتصاد الطبيعي.

ويمكن "اعتبار الأفكار الاقتصادية للطبيعيين مشتقة من نظام أعم وأكثر شمولًا، ألا وهو النظام الطبيعي. . . . وبعبارة أخرى تعتمد الأفكار الاقتصادية الطبيعية على نظرة الطبيعيين للعالم. . . . فلقد اعتقد الطبيعيون أن العالم محكوم بقوانين عامة وثابتة لا تتغير، وأن هذه القوانين لا تقتصر على العالم الطبيعي فحسب، بل وتشمل المجتمع الإنساني أيضًا. وما وظيفة العالم سواء في المجال الطبيعي أم الاجتماعي إلا السعي لاكتشاف هذه القوانين الأزلية حتى يتسنى ضمان التوافق والانسجام بين هذه القوانين والنشاط الإنساني في جميع صوره وأشكاله. وأكد الطبيعيون أن البؤس الاجتماعي واستحواذ الفقر في زمانهم إنما يعود إلى التباين الكبير بين القوانين الوضعية ومقتضيات النظام الطبيعي" (٣).

وقد قامت لهم تصورات اقتصادية تبعًا لهذا التصور، ومن ذلك مبدأ الحرية الاقتصادية التي تتوافق مع القوانين الطبيعية في نظرهم، وستتوسع هذه الحرية لتقتحم مجال الربا المحرم دينيًا، إلا أن الحلال والحرام لا مكان له في النظام العلماني القائم على الطبيعة وقوانينها، فالمهم في العلمانية أن يكون النظام الاقتصادي علميًا بزعمهم من وجهة اقتصادية وقانونيًا من جهة اجتماعية. وقد اتصل "آدم سميث" الشخصية الأبرز في الاقتصاد الحديث بهؤلاء الطبيعيين


(١) انظر: العلمانية. . . .، سفر الحوالي ص ٢٦٩ وما بعدها.
(٢) هو جورج سول في كتابه "المذاهب الاقتصادية الكبرى" ص ٥١، عن المرجع السابق ص ٢٧٢.
(٣) تاريخ الفكر الاقتصادي. . . .، د. محسن كاظم ص ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>