لأنها تتفق مع هذه القوانين، وأما الأخلاقيات الدينية فلا مكان لها في العلم الموضوعي.
وبما أن النتائج كانت وخيمة، إذ وصلت الأمور لباب مسدود داخل الغرب، فولّد إلانحراف انحرافًا أشدّ، فجاءت الأفكار الاشتراكية الرافضة للربا والرأسمالية الشرهة بمذهبها الاقتصادي، وكان أشهرها الماركسية ذات النموذج الشيوعي المنهار قبل سنوات، ومع ذلك تبقى الاشتراكية مذهبًا مؤثرًا في الأوضاع الغربية، وتعد عامل كبح -رغم ضعفها- للغلو الرأسمالي، وسيبقى الوضع الاقتصادي هناك متأرجحًا بينهما رغم الغلبة للرأسمالية زمن العولمة، وكما هي موجودة في الغرب فكذلك هي في بلاد المسلمين، فما زال هناك من يدافع عن الرؤية الماركسية بعد تقريبها من الإِسلام، ومن ذلك هذا النموذج الذي نعرضه الآن.
تبدأ المسألة مع النموذج اليساري ببيان أصل الربا، فإذا كان الرأسماليون يرونه وضعًا طبيعيًا تحت اسم الفائدة؛ لأنه موافق للقوانين الطبيعية الاقتصادية، فإن الماركسيين يرونه مرضًا أفرزته أوضاع اقتصادية غير سوية، ويرجعونه إلى الاستغلال الطبقي، وتبقى مشكلتهم في الحل المطروح القائم على دعوى إلغاء الطبقية وسيادة البوليتاريا، فبتغيير الوضع الطبقي يختفي الربا.
وتدّعي الماركسية لتصورها العلمية، وقد سوقها دعاتها في العالم الإِسلامي تحت اسم الاشتراكية العلمية، وهي ترتبط بالجدلية المادية التى سبق الحديث عنها مرارًا، ومن صور دعوى العلمية ما يأتي في هذا النموذج الذي يحدثنا عن أصل الربا فيقول:
"لقد نشأ رأس المال الربوي مع ظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج "الماعون". ومع تطور التبادل والعلاقات السلعية النقدية في المشاعية البدائية. لقد أصبحت الملكية الخاصة الناشئة أداة تمايز واختلاف بين الناس، أدى إلى تركز المال بيد القلة من ناحية، ونشر الفقر والبؤس بين الأكثرية الكادحة. ومنذ ذلك الوقت انقسم المجتمع إلى طبقات، القلة منها مسيطرة وثرية، والأخرى تئن تحت نير العبودية والاستغلال وتمثل الجماهير الواسعة"(١).