للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع التحولات الأوروبية وظهور التجار والصناعيين وقع صراع مع المرابين حول مستوى الربا، فصدرت قوانين تحدد مستوى الفائدة في حدود ٥ - ٨%، إلا أن أثرها كان محدودًا ويسهل التحايل عليه. عندها لجأ التجار والصناعيون لطريقتين: إقراض بعضهم وتجنب المرابين مع مواصلة حملاتهم على المرابين من خلال البرلمانات، فأنشأ البنك وسيلة للإقراض فيما بينهم في مواجهة بيوت الربا، فظهر هنا مفهوم الفائدة في مقابل الربا، وانكمش رأس المال الربوي لظهور رأس المال الصناعي، وهما من حيث الشكل يعطيان فائدة ربوية، ولكن هناك بعض الفروق من جهة مستوى الفائدة فهي محددة، وأطراف الاقتراض (١).

تظهر أسئلة حول النظرية: عن أصل نشأة الربا؟ وعن حتمية الوقوع فيه عند وجود الطبقات؟ فالملكية أمر فطري وغريزي، ولا يمكن أن يكون الربا سببًا حتميًا للملكية، نعم الملكية تُعد مشكلة لمن لم يضبطها بالدين، وقد ظهرت مجتمعات متدينة لا تعرف الربا مع وجود الملكية فيها. كما أن الطبقات قد وجدت في مجتمعات دون وجود الربا. وبهذا فلا تلازم بين الملكية وبين الفروق الاجتماعية وبين الربا، فإذا وجدت ملكية محكومة بالدين فإنها لا تسمح بوجود الربا وغيره من المعاملات الاستغلالية. وهذا التقرير مهم؛ لأن الماركسي يُرتب على الحتمية المادية مواقف عملية من أجل القضاء على الربا، قد تكون نتائجها موازية لسلبيات الربا وأكثر، وهذه المواقف العملية المغلوطة نجدها مع الكاتب السابق، وذلك في الحل الذي يقترحه وفق مذهبه، فـ "الحل: البطشة الكبرى {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)} صدق الله العظيم. والبديل هي الجماعة الإِسلامية فـ "الإِسلام ليس أيدلوجيًا فحسب، بل إنه ثورة اجتماعية أيضًا. ثورة ترمي إلى بناء مجتمع لا طبقي حر، مؤسس على "القسط والعدل". مجتمع يتكون من أفراد أحرار وواعين وشاعرين بالمسؤولية"" (٢).

ويأخذ على الفقهاء غموض قولهم عن أصل الربا ومصادره حتى يمكن القضاء عليه، ويأخذ عليهم عدم ربطه بالاستغلال الطبقي، ويأخذ عليهم نظرتهم للغنى والفقر بحيث يردّون الغنى والفقر لاختلاف المواهب والقدرات وليس


(١) انظر: المرجع السابق ص ٩٥ ص ١٠٥ وما بعدها.
(٢) المرجع السابق ص ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>