للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه يطابق الفطرة السوية التي خلق الله الإنسان عليها، فلا يغفل عن شيء من هذه الفطرة كما أنه لا يفرض عليها شيئًا ليس في تركيبها الأصيل قال -تعالى-: {ألَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك:١٤]، وقال -تعالى -: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)} [الذاريات:٤٩]، وقال -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)} [الروم:٢١]، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)} [النساء:١].

فهذا مقطع ورد في الكتاب الحكيم حول صورة المجتمع، فالرب سبحانه قد خلق الزوجين، وجعل بين الزوجين علاقة تجاذب، ومن خلالها يقع السكن والمودة والرحمة واللباس، ويبثّ منهما المجتمع الكبير الكثير من الرجال والنساء.

والكثير يحتاج لتنظيم "دقيق محكم يمنع الخلل الذي ينشأ -كلما اتسعت الدائرة- من الفوضى التي لا يضبطها دليل. لقد استلزم وجود رجال كثير ونساء -لا رجل واحد وامرأة واحدة- تنظيم صورة التجاذب الذي يحدث حدوثًا فطريًا بين الرجال والنساء. لكي لا يصبح فوضى تصطدم فيه مختلف التجاذبات، فتؤدي إلى ضياع السكن المرجو لكل نفس من جهة، وتؤدي إلى فساد روابط المجتمع من جهة أخرى" (١).

وفي هذا السياق يمنع الإسلام الاختلاط، وإن وقع بسبب فيكون مع الحجاب، ويمنع التبرج والفتنة، ويكره خروج المرأة دون سبب، ويمنع إبداء الزينة للأجانب، وهنا يقع التعارض التام بين الثقافة التغريبية ببعدها الفكري والثقافي والاجتماعي، حيث تقوم على الإغراء والتبرج وإبراز الفتنة، وقد صحب ذلك نمو رأسمالي بشع يهتم بتسليع الأنثى وتعبيدها للموضة والأزياء والجمال.

وهنا تتحقق المعادلة المهمة في تحقيق غاية التجاذب الفطرية دون الانحراف بها، ومن هنا جاء التشريع الإسلامي للحجاب بوصفه منظومةً متكاملةً من الأفعال والقيم المرتبطة بها، ونزل في ذلك آيات محكمات ومنها آيات


(١) انظر: التطور والثبات في حياة البشرية، محمد قطب ص ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>