وقد اختلف الأمر مع قاسم أمين وأمثاله، فهم من جهة أصحاب صلة ضعيفة بالعلم الشرعي وضعف في فهم التصور الإسلامي حول هذه القضايا الكبرى، ومع ذلك دخل قاسم أمين في الاهتمام بشأن المرأة، ولاسيّما بعد عودته من أوروبا وهو ضعيف الإمكانيات الشرعية مما يجعله فريسة سهلة لتيارات التغريب، فامتلأ بشبهاتهم حول المرأة ومن ذلك حجابها، وبرز كداعية لهذه الأفكار الجديدة حول المرأة، وأصبح فيما بعد رمزًا من رموز العناية بوضع المرأة، ولاسيّما في مسار تغريبها، فتشكّلَ طريق جديد حول وضع المرأة يجعل مرجعيته غربية كما يجعل النموذج المثالي -بصريح العبارة أو دون الشعور بها- للمرأة العصرية هو النموذج الغربي.
تحول شأن وضع العناية بالمرأة من شأن إسلامي إلى إسلامي وتغريبي، وقد اتسعت دائرة التغريب مع الاحتلال الغربي، فظهرت تيارات تغريبية تتنافس في نشر التغريب في بلاد المسلمين، فلم يعد اتجاه واحد بل اتجاهات، وكل واحد منها يتبع مدرسة غربية: ينشر أصولها ويدافع عنها بما في ذلك نشر موقف المدرسة الغربية المُتبَعة حول وضع المرأة (١).
وقد وجد المتغربون العرب ترسانة فكرية ضخمة حول وضع المرأة، ونقلوها إلى العالم الإسلامي، بما في ذلك ما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين، ومسائل الزي والزينة والمظهر المتعلقة بالمرأة، ووضع المرأة في المجتمع، وغيرها من المسائل، ومن تلك الترسانة ما يخالف التشريع الإسلامي فيما يخص المرأة المسلمة وما يخالف التصور الإسلامي عمومًا حول المرأة، والعلاقة بين الجنسين، والأسرة، والإنسان. ومن هذه الترسانة ما يزعمون بأن له علاقة بالعلم، الذي يعد عندهم الفيصل الحاسم في مسائل البشرية اليوم.
مجمل القول حول الحجاب في الإسلام:
يشكل الحجاب الشرعي أصلًا مهمًا من أصول الوضع الاجتماعي الإسلامي، ويأتي هذا الأصل في ظل التصور الإسلامي الأوسع عن المجتمع وعلاقة أفراده بعضهم ببعض وعن طريقة العيش التي يسلكونها. ومزيته العظمى
(١) انظر: حجاب المرأة بين الأديان والعلمانية، د. هدى درويش ص ٦، وهي من الدراسات المميزة في هذا الباب.