للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جديد سيكون له شأنه الخطير فيما بعد، ولكنه بقي على مستوى طائفة من المجتمع مع الشعور عند الناس بأن هذا انحراف، وليس لذلك أي مشروعية (١)، ولكن سيأتي من يشرع لهذا الأمر فيما بعد من قبل المبتعثين ودعاة المذاهب الفكرية الجديدة.

أما الطريق الثاني فهو الأقوى والأعمق والأخطر، وهو القائم على مشاهدة النموذج العلماني في بلاده من قبل المبتعثين لدراسة العلوم، ثم عودتهم لتأصيل ما رأوه من ناحية فكرية، معتمدين على الجهود الفكرية الضخمة الموجودة في الغرب، ومن أبرز الأمثلة نجد الطهطاوي وقاسم أمين، وإن كان بينهما فارق كبير، فالأول ابن الأزهر، وكان ممن تعلم العلوم الشرعية وبرع فيها، ثم جاءت رحلته لأوروبا للإشراف الديني على طلاب البعثة، أما الثاني فقد درس في المدارس العصرية، ثم درس الحقوق وجاءت رحلته لأوروبا تكميلًا لهذا الباب. اشتهر الطهطاوي منتصف القرن الثالث عشر / التاسع عشر والثاني أول القرن العشرين، الأول وقت التحولات الكبيرة في العالم الإسلامي وشارك فيها بقوة، والثاني وقت الاستعمار وما فيه من تغريب خطير. يظهر إعجاب الطهطاوي بوضع المرأة في أوروبا مع ملاحظاته النقدية الأخلاقية على أوضاعها الجديدة، ومع ذلك جاءت دعوته للعناية بالمرأة من منظور محافظ وأكثر قربًا من المفاهيم الإسلامية وأغلب ما قاله هو من الأمور الصحيحة والمقبولة حول أهمية تربية الفتاة المسلمة وتعليمها وإصلاح حالها، ولكن هناك نموذج يبرز أمامه ورآه في الغرب وقد يصف بعض صوره بإعجاب بما في ذلك ما يخالف الشرع من أبواب الاختلاط المنهي عنه، ولكن للطهطاوي جذور في الأزهر التي تحميه بإذن الله من الانغماس في الشطط؛ لهذا نجد عنده توازنًا معقولًا بين إصلاح وضع المرأة مع عدم الوقوع فيما وقعت فيه المرأة الأوروبية، وقد كان موقفه من الحجاب موقف الداعي إلى المحافظة عليه، بحيث تتحجب باستثناء الوجه والكفين على اجتهاد فقهي معروف، وبيّن أن هذا لا يمنعها من التعليم النافع (٢)، مع أنه قد يقع الانحراف من بعض المتخصصين في الشريعة والله المستعان.


(١) انظر: ودخل الخيل الأزهر، محمد كشك ص ٣٩٥ - ٤١٧.
(٢) انظر: رفاعة الطهطاوي. . . .، د. محمد عمارة ص ٣٥٠ وما بعدها، وانظر: المؤامرة على المرأة المسلمة. . . .، د. السيد فرج ص ٣٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>