للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع الخيرات في جور الفرنسيس ومن والاهم، وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهن (١) لهن وموافقة مرادهم وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته أو ضربته بتاسومتها، فطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن؛ لميل النفوس إلى الشهوات وخصوصًا عقول القاصرات، وخطب الكثير منهم بنات الأعيان وتزوجوهن رغبة في سلطانهم ونوالهم، فيظهر حالة العقد الإسلام وينطق بالشهادتين؛ لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها، وصار مع حكام الأخطاط منهم النساء المسلمات متزييات بزيهم ومشوا معهم في الأخطاط للنظر في أمور الرعية والأحكام العادية والأمر والنهي والمناداة، وتمشي المرأة بنفسها أو معها بعض أترابها وأضيافها على مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم وبأيديهم العصي يفرجون لهن الناس مثل ما يمر الحاكم ويأمرن وينهين في الأحكام.

ومنها أنه لما أوفى النيل أذرعه ودخل الماء إلى الخليج وجرت فيه السفن وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيس ومصاحبتهم لهن في المراكب والرقص والغناء والشرب في النهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة وعليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وصحبتهم آلات الطرب، وملاحو السفن يكثرون من الهزل والمجون، ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المجاديف بسخيف موضوعاتهم وكنائف مطبوعاتهم، وخصوصًا إذا دبت الحشيشة في رؤوسهم، وتحكمت في عقولهم فيصرخون ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم، وتقليد كلامهم شيء كثير.

وأما الجواري السود فإنهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الأنثى ذهبن إليهم أفواجًا، فرادى وأزواجًا، فنططن الحيطان وتسلقن إليهم من الطيقان ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك" (٢)، وهو نص -رغم طوله- يعبر أوضح تعبير عن هذا التحول الخطير في بيئة إسلامية، وطريقة انتشار النموذج العلماني الجديد في شأن المرأة، ودور المحتل في نشر نمط


(١) كأنّ "وخضوعهم" أنسب للسياق.
(٢) تاريخ عجائب الآثار. . . .، الجبرتي ٢/ ٣٠٤ - ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>