المصاحبة له، وقد افتتن البعض بهذا النموذج الجديد القائم على سفور المرأة ومخالطتها الرجال، فبدأ بعضهم في تقليد هذه النماذج ويتحايلون على التشريع الإسلامي من أجل ذلك، ولكن التأسيس الفكري لم يبرز بوضوح إلا لمن سافر للغرب ولاسيّما للدراسة وعايش النموذج الجديد في أوروبا، فانبهر بحال المرأة هناك، وأغراه جوانب من تميزها عن جوانب من المهالك التي وقعت فيها، وربما يكون حال المرأة التي يعرفها في بلاد المسلمين -من تخلف وجهل وضعف وأخلاقيات رديئة والظلم الذي يلحقها من الأعراف أو من كثير من الرجال الذين لا يلتزمون الشرع- قد أغراه بهذا النموذج الغربي، ولاسيّما إذا كان المبتعث ضعيفًا في العلم الشرعي وغير عارف بحقيقة التصور الإسلامي عن المرأة، فيظن أن واقع المرأة المسلمة الذي عايشه هو الممثل للتصور الإِسلامي فيهرب منه إلى التصور العلماني، بينما هو يترك نموذجًا منحرفًا ليدخل في نموذج علماني أشدّ انحرافًا وأكثر خطورة على شخصية المرأة المسلمة.
[الطريقان]: نجد طريقين خطيرين للتأثر، طريق وجود النموذج العلماني للمرأة في بلاد المسلمين، وطريق مشاهدته من قبل المبتعثين في بلاده الأوروبية، ويتحدث الجبرتي عن أول صور الطريق الأول في أثناء الحملة الفرنسية المشهورة، وبما أحدثوه من أثر على حجاب المرأة المسلمة، فقال في حوادث سنة (١٢٥٢ هـ): "ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء؛ وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم، كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة، ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقًا عنيفًا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة، فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش، فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن، وكان ذلك التداخل أولًا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في إخفائه، فلما وقعت الفتنة الأخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها، وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم، فزينوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال، فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية، وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهن من النساء الفواجر. ولما حل