أحياء العاصمة والإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن، وماذا يكون شأنهم معهن إذا خرجن حاسرات، فرأيت من فساد أخلاق الرجال بكل أسف، ما حمدت الله على ما خذل من دعوتي، واستنفر الناس إلى معارضتي .. ، رأيتهم ما مرت بهم امرأة أو فتاة إلا تطاولوا إليها بألسنة البذاء، ثم ما وجدت زحامًا في طريق فمرت به امرأة إلا تناولتها الأيدي والألسنة جميعًا .. إنني أرى أن الوقت ليس مناسبًا للدعوة إلى تحرير المرأة بالمعنى الذي قصدته من قبل" (١).
وفي خاتمة هذا المبحث نصل إلى أن التغريب قد تلبّس بالعلم ونظرياته من أجل علمنة الحياة العملية، وأن العلم لم يكن سوى قناع لتلك المهمة، أما العلم الصحيح النافع فلا يكون مخالفًا لما جاء به الدين، وقد ظهر أن ما يقولون: إنه علم ويعارض الدين أنه ليس كذلك، سواء في باب الأخلاق، أو في باب الربا، أو في باب التداوي، أو في باب الحجاب، وأن العلم الصحيح والنافع منه تجده يسير بجانب الدين ويتفق معه دون مشكلات بخلاف ما ادعي علميته مع المتغربين فهو يصطدم بالدين. وبهذا ينتهي الحديث عن الأمثلة المقترحة، ومعها ينتهي الفصل الثالث، وبذلك يختم الباب الثاني.
وقد بُحث في هذا الباب التأثر المنهجي في الفكر التغريبي بالانحراف المصاحب للعلم الحديث، وذلك في ثلاثة فصول: الفصل الأول عن التأثر المنهجي في مصدر التلقي وطرق الاستدلال، وقد نوقش ذلك في مبحثين الأول عن المصدر وأثر الانحراف في هجر الوحي، والثاني عن أثر الموضوعية في استبعاد الدين. والفصل الثاني كان عن التأثر المنهجي في طريقة التعامل مع القضايا الغيبية الاعتقادية، وقد نوقش في مبحثين: الأول عن الأصل المنهجي الذي يسبب مثل هذا الانحراف، وهو الانحراف في الغيب، بينما المبحث الثاني يطرح أمثلة وقع فيها الانحراف. والفصل الثالث كان عن التأثر المنهجي في طريقة التعامل مع القضايا الشرعية العملية، وقد نوقش في مبحثين: الأول عن الأصل المنهجي الذي يسبب مثل هذا الانحراف وهو أثر العلمنة ومفاهيمها، بينما المبحث الثاني يعرض أمثلة وقع فيها الانحراف.
(١) عودة الحجاب ١/ ٧٢ - ٧٣، وقد ذكره عن أنور الجندي من كتابه "رجال اختلف فيهم الرأى".