للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رؤية عقلانية مادية تدور في إطار المرجعية الكامنة والواحدية المادية التي ترى أن مركز الكون كامن فيه غير مفارق أو متجاوز له. "فالعلمانية الشاملة وحدة وجود مادية"، وإن العالم بأسره مكون أساسًا من مادة واحدة، ولا قداسة لها, ولا تحوي أية أسرار، وفي حالة حركة دائمة لا غاية لها ولا هدف، ولا تكترث بالخصوصيات، أو التفرد، أو المطلقات، أو الثوابت. في هذه المادة -بحسب هذه الرؤية- تشكل كلٌّ من الإنسان والطبيعة؛ فهي رؤية واحدية طبيعية مادية" (١)، وهذا المعنى الشمولي هو الأقرب لأغلب دعاتها العرب، فقد لخص الدكتور خالد منتصر -أحد المدافعين عن العلمنة- دعوات العلمانيين في مصر فقال: بأن "العلمانية في جوهرها ليست سوى التأويل الحقيقي والفهم العلمي للدين" وأنها "نظرية في المعرفة وليست نظرية في السياسة، ذلك أن العلمانية محاولة في سبيل الاستقلال ببعض مجالات المعرفة عن عالم ما وراء الطبيعة وعن المسلمات الغيبية. . . ." علق الدكتور أحمد برقاوي: "وهذا ما يتفق عليه معظم العلمانيين في الوطن العربي" (٢).

فإذا نظرنا لمعالم هذه الرؤية الشاملة التي تحوي العلم وغيره نجد ما يلي:

١ - أنها رؤية ذات أصول وتصورات، تقوم على أن الكون مستقل غير محتاج لغيره وأنه مكتف بذاته.

٢ - هدفها الصريح تحديد العلاقة بين الدين والحياة بحيث يُلغى الدين أو يبعد.

٣ - لا غيبيات ولا قداسة.


(١) العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية، د. عبد الوهاب المسيري ص ١١٣، ويظهر من كتاب المسيري في تقسيمه بين علمانية شاملة وأخرى جزئية قبوله أو تفهّمه على الأقل للجزئية ورفضه للشاملة، وهو رأي غير مستقيم؛ فتميّزُهُ في المجالات الفكرية وقصور بضاعته الإِسلامية جعله يتبنى مواقف تظهر في نهايتها لصالح الفكر التغريبي أكثر من خدمتها الفكر الإِسلامي، ولكن تعريفه للشمولي منها هو المهم وهو السائد عند المتغربين، أما الجزئية فهي جزئية مقارنة بالشاملة ولكنها لوحدها ومن وجهة النظر الإِسلامية هي نظرة شاملة في بابها، فهي تمنع شرع الله من ذلك الجانب الذي استثنته. وانظر له أيضًا: العلمانية تحت المجهر ص ٥٨ - ٦٠، ١٢٠ - ١٢٤.
(٢) مجلة الطريق، العدد الرابع سنة (١٩٩٥ م)، مقال (العلمانية بوصفها أيدلوجيا. . . .)، د. أحمد برقاوي ص ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>