للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشكلات ويحقق كل الرغبات، فلما تعقد الوضع ظهر من قال: إن العلم هو من سيتولى بنفسه معالجة نقصه من خلال العلوم الاجتماعية (١)، وهو فرار من مواجهة المشكلة والبحث عن بدائل وهمية لمعالجتها. ربما رفعت العلمانية من شأن العلم الدنيوي ولكنهم خسروا ما هو أعلى منه، وصدق الله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)} [الروم: ٧]، فالآخرة وما يرتبط بها من الإيمان بالله والقبول بالدين والتسليم لصورة الإنسان فيه وإمكانياته وحدوده وحاجاته تمّ إغفالها في التصور العلماني للعلم، ومن غفل عن الحقيقي واكتفى بالظاهر بقي قلقًا وشقيًا ومضطربًا؛ لأنه لا يملك سوى الظاهر ولا يركن لباطن يثبته، "قال ابن عباس في قوله -تعالى-: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)} [الروم: ٧]؛ يعني: الكفار، يعرفون عمران الدنيا، وهم في أمر الدين جهال" (٢)، وقد تأكد هذا المعنى وظهر لنا بوضوح مع علمنة العلم الحديثة.

بالنظر إلى واقع علمنة العلم الغربية، نجد أنها قامت على أسس وارتبطت بمسببات لا توجد في الإطار الإِسلامي، فمن الأسس هذا الفصل الذي ابتدعته العصور الوسطى الغربية بين الديني والدنيوي تحت شعار: "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، وصورة العلاقة بين المخلوق وخالقه؛ إذ هي من الجهتين الدينية الكتابية والدينية الوثنية تقوم على الصراع والمغالبة، حيث يجتهد المخلوق في الاحتيال على خالقه، واقتناص الفرص في سرقة العلم والمعرفة والأسرار، وقد سمحت مثل هذه التصورات الباطلة بنجاح مفهوم العلمنة. كما أن هناك مسببات اجتماعية في الحياة الغريبة، تمثلت بوضوح في ذلك الصراع العنيف بين الكنيسة والعلم والفكر، وما نتج عنه من غلبة التيار العلماني وإقصاء للجانب الديني (٣).

ولكن الثمار بعد ذلك كانت خطيرة، فقد تسبب هذا الفصل في نشوء تيار متطرف، قام أولًا بطرد كل المسلمات الدينية من مجال العلم، وثانيًا بوضع تصورات جديدة بديلة، وإن لم تكن مقنعة ولكن لابد من بديل، وثالثًا بحراسة


(١) انظر: ذلك في المبحث الثالث من هذا الفصل: دعوي شمولية العلم.
(٢) تفسير ابن كثير ص ١٠٢٢.
(٣) انظر: العلمانية. . . .، سفر الحوالي ص ٣٢٩ - ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>