شديدة تمنع تسرب أي مفهوم ديني إلى العلم. وإذا فحصنا هذه الأسس والمسببات والتيار المتطرف العلموي العلماني، ثم بحثنا عن مبررات انتقالها إلينا، فلا نجد شيئًا يبرر ذلك، فالأسس الإِسلامية تدفع نحو العلم والنظر والعقل والتفكر والتدبر والاعتبار والتبصر واليقين والحجة والبرهان، مع عدم وجود مشكلة انفصال بين الخالق والمخلوق، وعدم وجود أساطير مؤثرة، فلا يوجد إلا الحق الذي لا يأتيه الباطل، ولم يظهر انفصال بين الديني والدنيوي، ولم يقع صراع بين الإِسلام والعلم، ولم يقف علماء الإِسلام موقفًا معارضًا للعلوم، فقد سَلِمت الأمة من كل هذه المشاكل، بل على العكس من ذلك، فالحضارة الإِسلامية هي التي حفظت العلوم وطورتها وأوجدت أرضية لنمو مناهج علمية جديدة، مناهج لعلوم الدين كعلم الإسناد والتخريج الذي لم يُعرف في أية أمة قبل أمة الإِسلام، مما حفظ لنا الوحي، وكعلم أصول الفقه الذي يزن طريقة تعامل العقل المسلم مع مصادر الدين في التفسير والتجديد، وكالمنهج التجريبي في العلوم الدنيوية الذي وضع تلك العلوم على السكة الصحيحة, ويبقى بعد ذلك من يقود القطار، وقيادة القطار ليست في منزلة من دلّ على السكة، فضلًا عن مكتشفات علمية جديدة، ومع ذلك لم يظهر معها ومع أهلها أي صراع، وبهذا يصبح الإصرار على علمنة العلم مرضًا فكريًا وليس فيه شبهة مصلحة ترجى، فلماذا يتشدد دعاة العلمنة في تقليدهم في أمر لا ثمرة منه بل ضرره بيّن من المنظور الإِسلامي؟!
مواجهة علمنة العلم بالتأصيل الإِسلامي للعلوم:
عندما وجد الفكر الإِسلامي أن علمنة العلم في العالم الإِسلامي قد اشتد ضررها، وبأن خطرها دفع إلى الواجهة أهمية التأصيل الإِسلامي للعلوم الحديثة بعد أن أثرت فيها العلمنة كثيرًا؛ فبسبب اعتمادنا على الغرب في هذه العلوم، وهي هناك مُخترقة من قبل التيارات العلمانية، فقد دخلت إلينا محملة بأحمال فكرية خطيرة، ولذا فلابد من اجتهاد إسلامي لمواجهة هذه المشكلة، وقد تمثل ذلك في أهمية التأصيل الإِسلامي لها. وقد عُرِض هذا المشروع بمسميات كثيرة يهمنا في النهاية الهدف المشترك وهو: تبيئة هذه العلوم بجعلها متلائمة مع التصور الإِسلامي عن الرب سبحانه والكون والإنسان والدين والغيب واليوم الآخر، وهذه الأصول الكبرى لم يراعها العلم الحديث بسبب مشكلة العلمنة، لذا وقع في انحرافات خطيرة.