العلمنة بعد الأزمة التي مرّت بها، ربما لا تتعارض مع الدين الذي توهموه أما دين الرسل فهي تتعارض معه تمامًا، فهي رؤية جديدة تريد منافسة الدين، وهي رؤية لا تهتم بالآخرة، ورؤية لا تهتم بالدين، ورؤية تلغي من حسابها مسألة الإيمان بالله بالصورة التي جاء بها الرسل، ولها مزيد نقاش في المبحث الثاني من هذا الفصل.
وأما الثانية فهي ربط بعضهم بين مفهوم علمانية العلم والموضوعية، بحيث يؤكدون أن الدفاع عن علمانيته هو دفاع عن موضوعية العلم وتقدمه دون ضغوط خارجية، ولكن من أدرك حقيقة العلمانية علِم أنها رؤية أيديولوجية، وأدرك أن علمانية العلم هي ضد موضوعيته؛ لأنها في الحقيقة هي إبعاد لرؤية وفرض رؤية أخرى، إن منع وجود تصور ديني هو معارض للموضوعية، وإلا فلماذا تُفرض تصورات وتمنع أخرى بحجة دينيتها! لماذا لا يدَعون هذه التصورات كغيرها تأخذ حظها دون منع! ثم يأتي التمحيص لها بالوسائل المناسبة! ولذا فلا علاقة لها بالموضوعية. لقد كان هذا المنع لأي تصور ديني سائدًا مع انتفاشة التيار المادي، بينما هي قد ضعفت بصورتها الوقحة في القرن الأخير، ولكنهم لا يملكون البديل فوضعوا تصورات ميتافيزيقية بديلًا للدين أو مساوية له (١)، ولا شك بأن الموقف الجديد يكشف انحراف العلمانية بالعلم ويكشف استحالة وجود بديل عن الدين، ولكنه وإن كشف الانحراف فما قدموه من بدائل ما زال بعيدًا عن الدين الحق، وعلى المسلمين تحمل واجبهم نحو العالم بتقديم البديل الحق، وقد سبق الحديث عن الموضوعية في الفصل الأول.
أمثلة تغريبية على دعوى أهمية علمنة العلم ورفض التأصيل الإسلامي:
تخصص مجموعة من المتغربين في الدفاع عن العلمنة باعتبارها مصيرًا لابد منه عند البعض أو باعتبارها الطريق الحقيقي للتقدم والحداثة والقوة والعلم،
(١) يمكن الرجوع للمدافعين عن الميتافيزيقا لكتاب الدكتور محمَّد رجب: الميتافيزيقا عند الفلاسفة المعاصرين، وكتاب الدكتور حسين علي: الأسس الميتافيزيقية للعلم، وأما أشهر معارضيها في الفكر العربي فنجد الدكتور زكي محمود، انظر له: موقف من الميتافيزيقا.