للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاملة، مغلبًا المعرفة الدينية على المعرفة العلمانية" (١)، وهذا يؤدي إلى الصراع بين العقلين "فكانت من نتائج المعارضة الدينية للعلم أن تعرضت المعرفة الدينية لنقد علماني ظل محصورًا اتقاء لشر الدينين. ولكنه لم يكن غائبًا. فصار التشديد على الفصل بين المعرفة العلمية والمعرفة الدينية، والدعوة لإخضاع الثانية للأولى، بل إلى التأكيد على أن الملحد المطمئن إلى المادة أعود بالنفع على البشرية من المواطن الذي لا يعرف من الإيمان إلا التعصب. . . ." (٢)، وبالفصل يستطيع الفكر أن يمارس حريته عند العلماء، عندها تبرز أفكار جديدة لم تكن موجودة من مثل تدريس الجيولوجيا بدلًا من سفر التكوين، ومن مثل "المماهاة بين الرقى والعلمانية في مقابل قران الدين والانحطاط". وبعد استعراض لهذا التنافس ثم الصراع يقول: "كانت النتيجة المنطقية والمنطلق الأساس على حد سواء لمجابهة تدخل الدينين في شؤون الفكر والثقافة. . . . الدعوة إلى تثبيت الفصل بين الدين والعلم وتمايزهما، وإلى حصر كل منهما بمجال، الواحد معرفي وضعي، عقلي تاريخي، والآخر إيماني اعتقادي أخروي" (٣)، ويكون الدين شأنًا فرديًا وقلبيًا وعضدًا للأخلاق.

ثم يأخذ على هذا المشروع العلماني نكوصه، حيث غلب على المفكرين المصريين المتغربين تخفيف حدة العلمنة وتصريح بعضهم بالهجوم عليها، ومع ذلك فالكاتب لا يرى في ذلك حالة إيجابية، وإنما حالة طارئة لها ما يفسرها، مع أن المنطق يقول إن مواقف هؤلاء جاءت في وقت الحكمة والاعتدال وبعضهم في مكانة اجتماعية كبيرة لا يخشى من شيء فيكون، هذا هو الأقرب لاختيارهم وأقرب للصواب، والمؤلف هنا يعلي من الشذوذات الفكرية ويلمعها دليلًا على المصير السائر نحو العلمانية، فإذا جاء للأمور المبطلة لهدفه والناقضة له عرضها كحالات شاذة لا يعُتدّ بها وطارئة سيتجاوزها التاريخ.

والحقيقة أنه قد أنصف من نفسه عندما ذكر بعض صور النقد الموجهة له في أحد كتبه، أجدها مفيدة في هذا الباب، ومنها:


(١) المرجع السابق ص ٢٢٩.
(٢) المرجع السابق ص ٢٢٩ - ٢٣٠.
(٣) العلمانية من منظور مختلف ص ٢٣٠ - ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>