النقلي أو العقلي أو الحسي. وباصطحابهما ندخل إلى أكثر صور التعارض المزعومة اشتباهًا وهي النوع الأول: أي: التعارض بين الموضوعات الجزئية، حيث يتكئ عليه أهل التغريب في جعله أداة لإقصاء الدين أو التكذيب بنصوصه، بحجة أن ما يقدمه الدين من معلومات عن موضوعات بعينها يتعارض تمامًا مع العلم الحديث، وليكن النموذج على ذلك إقامتهم التعارض بين ما ورد في الدين عن أمر الكون، ولاسيّما موضوعات الفلك وبين ما يرد في العلم الحديث حول الموضوع نفسه، وذلك أنها أول مسألة سببت نزاعًا في الفكر الحديث، في الغرب أولًا ثم في العالم الإسلامي، وما زالت تُثير بعض المشاكل، من أبسط مسائلها كالقول بكروية الأرض ودورانها حول نفسها ودورانها حول الشمس والمجموعة الشمسية ونظامها إلى الأعقد والأغمض وهو الكون الكبير، كما أن هذا العلم يُعدّ من أقوى العلوم الطبيعية التي اكتسبت مقدارًا كبيرًا من الدقة والعلمية. وبمثلها يفرح المعارض للدين أو الهارب منه ويرفعها أداة اتهام للدين، وعلى عكسه المؤمن الذي قد يلتبس عليه الأمر ويقع في حيرة وألم، بينما إذا حُقق الأمر وُجد أنه لا تعارض حقيقي في الموضوع وأن مدّعي التعارض قد غلبه هواه عن النظر الموضوعي للإشكالية.
وذلك أن الموضوعات التي يُدّعى فيها التعارض، إما أنها موضوعات كبرى عن خلق الكون والحياة والإنسان وأمثالها، أو موضوعات جزئية مثل بعض مسائل الفلك، وهي أيضًا قد كان خلقها في الماضي البعيد وقبل وجود الإنسان، وما بقي منها هو الجزئي الظاهر المستمر في الحدوث، وبهذا فنحن أمام أمر غيبي قديم أو أمر ظاهر موجود، الغيبي يتعلق بأمور كبرى مثل وجود الكون والظاهر مثل كروية الأرض وحركتها حول نفسها وحول الشمس.
فإذا رجعنا إلى الدين وجدنا فيه حديثًا حول الأمرين ولهدف معين، وإذا رجعنا إلى العلم الحديث في الفلك والفيزياء الكونية وجدنا فيه حديثًا حولهما أيضًا، ومن الواضح أنهما لا يتشابهان ولكن عند المحقق يعلم أيضًا أنه لا يشترط من عدم التشابه وجود التعارض.
١ - الموضوعات الكونية الكبرى التي هي من الغيبيات:
يُعد خلق العالم من الأمور الغيبية، ولكن الغيب منه ما هو غيب مطلق،