للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يعلمه أحد إلا بالخبر، ومنه ما هو نسبي قد يعلمه قوم ويجهله آخرون، أو يُجهل في وقت ويُعلم في وقت.

ومن معتقد أهل السنة أن للغيبيات الوارد ذكرها في النصوص معنى يعرفه المخاطب وحقيقة لا يعرفها، ومن ذلك الجنة ونعيمها أو الباري سبحانه وصفاته، فما ورد من نعيم الجنة نعرف معناه ولكن لا نعرف حقيقته؛ أي: لا نعرف كيف هو، ومثل ذلك صفات الباري سبحانه نعرف معناها ولكن لا ندرك حقيقتها، ويدخل في ذلك الأمور الكونية، ومن ذلك مثلًا ما نجده في الوحي من خلق السموات والأرض في ستة أيام، فإن المعنى واضح ولكن حقيقته من أمور الغيب، فمن الذي يستطيع الجزم بما حدث في هذه الأيام؟ ومن الذي يستطيع الجزم بتحديد طول هذه الأيام؟ فالذي نعلمه أن هناك أيامًا ستة، الله أعلم بطولها، وقع فيها خلق السماوات والأرض، الله أعلم بكيفيته، وبحسب القاعدة المشهورة: "المعنى معلوم والكيف مجهول"، وإن كان مجهولًا فقد لا يكون كلّه من الغيب المطلق، فقد يصل البشر إلى بعض المعرفة ببعض أموره.

فلو جاء زاعم ثم قال: إن هناك تعارضًا مثلًا في الزمن، ففي الوحي نجد ستة أيام بينما يذكر أهل العلوم غير ذلك من الأزمان، فلا يدخل هذا النوع في أبواب التعارض؛ لأن الزمن الذي ورد في القرآن غير الزمن الذي يتحدث عنه أهل العلوم الحديثة، ذاك زمن غيبي نعرف معناه ونجهل حقيقته، بينما زمن أهل العلوم زمن يقاس بعالم الشهادة وبالمحسوس، وبالمعاش، وهذا هو ما يستطيعون بحثه إن سلّم أهل الاختصاص لهم بصحة ما ذهبوا إليه وأجمعوا عليه.

ومثل هذا لا يقع فيه التعارض، نعم لو جاء من يقول بأن العلم يثبت أن الكون أزلي، ولم يخلق فهذا فيه تعارض بيّن، وهو ما تبناه الماديون رغم أن العالم الفيزيائي الذي اعتمدوا عليه لا يقول بهذا القول وهو نيوتن، كما أن الفيزياء المعاصرة ضدّ هذا القول ومن أبرز نظرياتها نظرية الانفجار العظيم، وهي نظرية تُسلم بزمن معين ظهر فيه هذا الكون (١). فيكون هناك إطار زمني جاء في الدين، وإطار زمني ذكره أهل العلوم الحديثة، أما حقيقة ما ورد في الدين فالله أعلم به، الذي نعلمه هو المعنى وأنه ستة أيام، أما أهل العلوم فيقولون بأنه زمن


(١) انظر مثلًا: الفيزياء ووجود الخالق، د. جعفر إدريس ص ٨٢ مع الفصل الرابع.

<<  <  ج: ص:  >  >>