طويل إذا قيس بالمُشاهد، وهو أمر الله أعلم بحقيقته وإن كنا نعلم معناه؛ فإن الله تعالى خاطبنا بما نعلم. أما أهل الاختصاص الطبيعي فلهم مقاييسهم وحساباتهم وملاحظاتهم، وهو أمر لا نتحدث عنه، فليس الأمر مما يتطلب منا تكذيبهم أو تصديقهم، فبما أنه لا يوجد لدينا دليل قطعي فإنه لا يصح لنا التكذيب بأمر نجهله وإنما يُترك لأهل الاختصاص، ولكن في المقابل فمن غير الصحيح الاستعجال بتفسير النصوص الدينية بمثل هذه المعلومات العلمية.
إن بحث أهل العلوم في المثال السابق، حول "الزمن" إنما هو فيما نجهله نحن؛ أي: في جانب الكيف، وهو أمر غيبي، ولكنه من الغيب النسبي الذي لا يمنع من وجود طائفة من البشر في زمن من الأزمان يعرفون بعض المعلومات عنه، ولاسيّما إذا توفر لهم من الأجهزة والمقاييس والأدوات ما يساعدهم على ذلك، ولكن ما يصلون إليه ليس من القطعي، وإنما هو من النظريات التي تُطرح، والنظرية تُعد محاولة للإجابة، وهي في فلسفة العلم ظنية الدلالة؛ وقد يأتي في زمن لاحق ما يغير فيها أو يطورها أو يلغيها، وعلى هذا فما قدمه العلم في هذا الباب يكون في أحسن أحواله دليل ظني، ومعلوم أن المقدم عند التعارض بين القطعي والظني هو القطعي.
٢ - الموضوعات الجزئية:
تأتي الموضوعات الكبرى غالبًا عن أمور غيبية في الماضي أما الموضوعات الجزئية فهي أمور حادثة مشاهدة ظاهرة للبشر، فالدين والعلوم البشرية في النوع الأول يتكلمان عن أمر غيبي، أما في النوع الثاني فعن أمور ظاهرة مشاهدة ليست من الغيب.
فمن الغيب وجود الكون، ومنه أمور من الغيب النسبي، ومن المشاهد حركة الأرض والشمس والنجوم. ومن الغيب خلق آدم وحواء -عليهم السلام-، وهو أيضًا من الغيب النسبي، ومن المشاهد خلق الجنين، فخلق آدم من أمر الغيب الذي يُعلم في الأساس بالخبر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير سورة العلق: "فأما خلق آدم من طين، فذاك إنما علم بخبر الأنبياء أو بدلائل أخر. ولهذا ينكره طائفة من الكفار الدهرية وغيرهم الذين لا يقرون بالنبوات. وهذا بخلاف ذكر خلقه في غير هذه السورة. فإن ذاك ذكره لما يثبت النبوة وهذه السورة أول