الفقرة إثبات الجانب المنهجي والمعرفي، وإلا فالظاهر من أحوالهم هو سيطرة اتجاهاتهم العلمانية عليهم وفرحهم بأي شيء يوهم التعارض حتى يجعلوه دليلًا في إثبات المعارضة ومن ثم إقصاء الدين. فماذا يقال في هذا النوع؟
من المعلوم بأن القرآن جاء بلسان عربي مبين، وأنه نزل بلسان العرب، ولهذا هو مفهوم عندهم، فلابد عند فهم النصوص من مراعاة معهود العرب في خطابها، وعندما تكلم على أمور الكون والمخلوقات المشاهدة فهو يتكلم بما هو معهود عندهم، وهدفه تحقيق التوحيد والعبودية لله، وقد ذكر الإِمام "الشافعي" -رحمه الله- صورًا من معهود العرب في خطابها، ومن ذلك:
١ - أنها تخاطب بالشيء منه عامًا ظاهرًا تريد به العام الظاهر، ومثاله من القرآن الكريم قوله -تعالى-: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى}[الحجرات: ١٣] فهذا يعم جميع الناس.
٢ - وتخاطب بالشيء عامًا ظاهرًا تريد به العام ويدخله الخصوص، ومثاله من القرآن الكريم قوله -تعالى-: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا}[النساء: ٧٥]، فكل أهل القرية لم يكن ظالمًا، لكنهم كانوا مغلوبين على أمرهم.
٣ - وتخاطب بالشيء عامًا ظاهرًا تريد به الخاص، مثاله من القرآن الكريم قوله -تعالى-: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم: ٦]، ودل القرآن على أن وقودها إنما هو بعض الناس، لا كلهم، كما في قوله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١)} [الأنبياء: ١٠١].
٤ - وتخاطب بالشيء ظاهرًا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره، مثاله من القرآن الكريم قوله -تعالى-: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}[يوسف: ٨٢]، المراد أهل القرية، وأهل العير (١).
وقد ذكر الشيخ "محمَّد بن عثيمين" -رحمه الله- من القواعد حول أدلة الأسماء والصفات بعض ما يفيدنا في موضوعنا، ومنها القاعدة الثانية: "الواجب في
(١) انظر: الرسالة، الإِمام الشافعي ص ٥٣ - ٦٤، وقد رتب المعاني السابقة واختصرها الدكتور عثمان حسن ومنه أخذت الترتيب بعد الرجوع للأصل، انظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، د. عثمان حسن ٢/ ٤٣٩.