للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما جعلته من باب التعارض بين "الموضوعات" وهو النوع الأول، وقد ذكر القسم الأخير، أي الذي هو من باب التعارض في العمليات، فيقول: "بل ربما كانت -وكثيرًا جدًا ما تكون- مقابلة بين نص شرعي في ناحية ومشكلة اجتماعية أو فردية، في ناحية أخرى، بحيث لا تجد تلك المشكلة حلها العقلي -أي: حلها العلمي- متفقًا مع ما يدل عليه ظاهر النص الشرعي، فماذا نحن صانعون؟ " (١).

يرجع "زكي" في الحل إلى الشيخ "محمَّد عبده" مستعينًا بآلته التأويلية (٢)، ولكن بعد بعض التعديلات عليها، وسؤالنا قبل الذهاب إلى التوفيق -وهو مطلب صحيح في العموم- هل يصح هذا التعارض؟ وأي طريق يخدم التوفيق هنا؟

بالرجوع إلى معياري: "تحديد المراد، وتعيين القطعي" الذين سبق ذكرهما نجد أن هذه الدعوى يذهب جزء كبير منها، ولكن على العكس من ذلك فالمفكر التوفيقي لا يريد ذلك -بحسب ظاهر النص وبحسب المشروع الفكري له- لأن حقيقة التوفيق هنا تنحصر في أخذ ما له صلة بالفكر الحديث مع التضييق المتدرج لمساحة الدين، وهي بارزة في جانب العمليات. لذا فهو يرفض التوفيق بمعنى: حذف المفكر المسلم ما يراه متعارضًا مع عقيدته؛ لأنه هنا لا يضيف شيئًا جديدًا بحسب كلامه (٣)، وهذا غير صحيح فإنه يضيف النافع الصحيح ويترك ما سوى ذلك.

يوضح منهجه بمثال: فلو كان الدين هو "أ. ب. ج" والعلم هو"س. ب. ج"، فيظهر أن الاختلاف هو بين "أ"، "س" والسؤال: هل هما يتعارضان أو يتكاملان، فإذا كان التوفيق مستحيلًا فهما متعارضان، وإن كان ممكنًا فهو تعارض ظاهري، وعليه فالتوفيق هو في "التعارض الظاهري" وذلك بأن أبتكر صورة جديدة تدمج بين "أ. س" "دمجًا يلد لنا مخلوقًا جديدًا، لا هو الطرف الأول كما كان، ولا هو الطرف الثاني كما كان"، وتكون حقيقة التوفيق ضربًا من رؤية الشيء الواحد من جانبين يتكاملان ولا يتعارضان (٤).


(١) المرجع السابق ص ٢٠٩.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٢٠٩.
(٣) انظر: رؤية إسلامية ص ٢١٠، (لأنه لو كان الأمر كذلك، فكأن المسلمين ما نقلوا عن غيرهم شيئًا).
(٤) انظر: المرجع السابق ص ٢١٠ - ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>