للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسيأتي بإذن الله فصل خاص عن هذه المنهجية التي كثُرَ استخدامها لدى بعض الشخصيات الإسلامية لمحاولة الدفاع عن الدين أمام النظريات العلمية، وبيان مدى مناسبتها، وإنما وقفت معها في هذا الموطن؛ لأنها أشهر مرحلة برزت فيها منهجية التوفيق.

لم يكن رجال الدين على شاكلة واحدة إذ كان فيهم بعض العقلاء المعتدلين مثل الكردينال "بلارمينوا" الذي قال في رسالة له "ترجع إلى سنة (١٦١٥ م) موجهة إلى أحد الرهبان المناصرين لمذهب كوبرنك: "لو كان هناك برهان حق على دوران الأرض وثبات الشمس، إذن لتعين الحذر الشديد في تفسير آيات الكتاب المقدس، ولكان أحرى بنا أن نقول: إننا لا ندرك معناها، من أن نكذب ما قام عليه البرهان. ولكني لن أعتقد بقيام هذا البرهان قبل أن يبين لي" وهذا ما حدث بالفعل فيما بعد، إذ لم تعد الكنيسة تحرم الاعتقاد بمذهب كوبرنك، بل صارت تحمل الآيات على محمل التعبير بالظاهر، كما نقول نحن الآن: طلعت الشمس وغربت" (١). فهذا الموقف يعطي ثالث موقف من مواقف الكنيسة: ففي وقتِ قوتها كان رأيها الصواب وتهدد المخالف، ثم في مرحلة متوسطة عند ثبوت أدلة برهانية فيكون هناك حذر شديد في تفسير النصوص المقدسة وسلوك مسلك التفويض، وفي المرحلة الثالثة كأنه يشير إلى ترك التفويض وسلوك المذهب الظاهري مع النصوص مع ما يحويه من اعتراف مبطن بأن الظاهر لا يعني الحقيقة، والحقيقة هي في علم الفلك، وهذا الموقف الذي وقعت فيه الكنيسة ما كان ليحدث لولا اشتمال ما عندهم على باطل ومعلومات غير صحيحة، وما نجح فيه العلم وانتصر به على الكنيسة هو في جزء الحق الذي معه، لا أنه يملك كل الحق.

ومما يجدر التنبيه إليه في هذا المقام هو غرابة موقف "كبلر": فبينما يقال عنه بأنه صاحب ديانة صادقة على الطريقة البروتستانتية، فإنه مع ذلك له ميل إلى التنجيم، وإلى القول بالعقول الفلكية وأنه كان ميالًا إلى عبادة الشمس (٢)، وهناك من يربط بين هذا الميل إلى عبادتها وبين وضعها مركزًا في نظريته، فإذا تركنا


(١) تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم ص ٢٢.
(٢) انظر: العلم في مواجهة المادية. . . .، د. عماد الدين خليل ص ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>