وما تبعه من منهج للتوفيق بينهما، وإذا كان التصوّر غير صحيح فإن عملية التوفيق تكون من العبث.
ورغم ما يلحظه الباحث من أشياء جيدة في فكر هذا المفكر إلا أن أثر التصورات الفاسدة أفسدت عليه مشروعه الفكري، وهو يبقى أحسن حالًا من الصنف الثاني الذي لم يُظهر أي اعتبار للدين، بل انخرط في اجترار مقولات إلحادية، بينما هذا المفكر الوضعي قد اجتهد في التحليل والنقد لكثير من الأوهام والانحرافات في عصرنا وأمتنا ولكن جهله بالإِسلام الذي اعترف بأنه لم يقرأ فيه إلا في سن متأخرة جعله يتحرك بغشاوة فكرية أفسدت مشروعه الفكري، وجعلته يصب في خدمة التغريب والوجهة العلمانية.
النموذج الثاني: اللاتوفيقي:
يتبنى أصحاب هذا النموذج موقفًا عدائيًا فجًا من الدين، ويرفعون تبعًا لذلك دعوى التعارض لأقصى حدٍ ممكن، ولا يتبنون من الفكر الغربي إلا ما يعارض الدين، فإن ظهر رمز فكري غربي له رؤى يُشتم منها الاقتراب من الدين هاجموه تبعًا لمهاجمة من ينتمون لهم من الغربيين، لا تظهر عندهم حالة التعارض إشكالًا معرفيًّا يحتاج إلى بحث ومعالجة، وإنما أداة في صراعهم مع الدين، ولهذا نجدهم يركزون على إسرائيليات موجودة في كتب التفسير أو أحاديث موضوعة أو أقوال شاذة أو حتى نصوص من المتشابه الذي حقه الرد إلى المحكم، وفي المقابل يتوسعون في الاغتراف من الثقافة الغربية بما في ذلك ما يُعارض الدين، بحجة أن ما ينتمي إلى الحضارة الغربية فهو ينتمي إلى العلم.
ينتمي مجموعة من أفراد هذا النموذج إلى الاتجاهات اليسارية التي عرفها العالم الإسلامي من خلال الأحزاب الشيوعية وغيرها، ومن لم يكن منتميًا لهم فقد استفاد منهم فيما يتعلق بمعارضة الدين؛ ذلك أن الاتجاهات اليسارية جعلت من أصولها تحطيم الدين، وكوّنت بذلك تراثًا كبيرًا، أصبح كل كاره للدين يغترف منه وإن لم ينتسب إلى هذا التيار، وقد برز الموقف اليساري بعد أن تبنت مجموعة من الأحزاب العربية الاشتراكية وازداد حماسها لغيها مع ظهور الصحوة الإسلامية.
أذكر أربعة أمثلة، أولها ماركسي "د. العظم"، والبقية وإن لم يكونوا كذلك