للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين الدين والعلم في أن كليهما يحاول أن يفسر الأحداث وأن يحدد الأسباب، إن الدين بديل خيالي عن العلم إلى أن قال: "إن محاولة طمس معالم النزاع بين الدين والعلم ليست إلا محاولة يائسة للدفاع عن الدين" (١).

تعطي هذه الشواهد صورة عن التصور الماركسي، وهي تصح لو وضع مكان العلم مصطلح الماركسية، ولاسيّما رؤيتها حول الدين الحق. إن العبارات المستخدمة لتَدُل على ذلك، مثل: يتعارض قلبًا وقالبًا، نصًا وروحًا، ومثل: تعارضًا واضحًا وصارخًا، ومثل: إنهما في طرفي نقيض، ومثل: إنه خيالي. لو كان هذا التعارض بكل هذا الوضوح المزعوم لما رأينا من أصحاب هذه العلوم في الغرب من يرفضه، ويرى بعدم وجود التعارض، ولما رأينا الكثير من عقلاء المسلمين وأذكيائهم قد درسوا هذه العلوم في الغرب، ولم يصلوا إلى ما وصل إليه الماركسي وأمثاله، فكل هذه الجمل من التلاعب اللغوي بالكلمات التي لا حقيقة لها إلا عند من يرى بأن الماركسية هي علمية وحقائقها من الأمور المسلمة.

من الأمثلة التي يكررها المثبتون للتعارض: "وجود الكون ووجود الإنسان"، وهي مثلان أثيران عند أهل هذا الاتجاه، وهما المثلان اللذان تُركز عليهما المادية لإنكار الدين بحجة مخالفته للعلم فيهما، حيث عرف القرن التاسع عشر في أوروبا نجاحًا للتيار المادي الذي أراد إثبات أزلية الكون وأبديته معتمدًا على نظرية "نيوتن"، وأنه يمكن تفسير ميكانيكيته بقوانين تُقْصي حاجة العالم إلى افتراض وجود خالق مدبر وحافظ للكون، وكما يقول "لابلاس": "بأن الله فرضية لست في حاجة إليها"، مع أن "نيوتن" نفسه الذي تعتمد عليه ماديتهم لا يقول بهذا القول، إلا أن الفيزياء الحديثة أصبحت تختلف عن النظرة المادية الميكانيكية للكون، فما بقي يُصرّ على النظرة المادية إلا الماركسيين وأمثالهم.

وبالمثل -فإن مادية القرن التاسع عشر- تعززت بنظرية داروين حول الإنسان، مفترضة أسبقية المادة وأنه بالصدفة ظهرت خلية في طينة ما، وعبر ملايين السنيين تطورت إلى هذا الإنسان العجيب، فمن السخافة جعلها ندًا لما جاء به الدين، لهذا جاء من الدارونيين أنفسهم من أثبت أن الإنسان خلق مستقل


(١) المرجع السابق ص ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>