للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو له وجود مستقل، قد تكون الدارونية القديمة أو المطورة جزء من علم الأحياء الحديث، ولكن هناك في المقابل تيار علمي غير مقرّ بهذه النظرية، فضلًا عن وجود تيار ثالث يرى إمكانية رفع التعارض بين الدين والدارونية. والمقصود هنا بأن من يرى التعارض بين الدين والعلم في وجود الإنسان إنما هم الماديون باعتمادهم على نظرية داروين في صورتها القديمة، ويُغفلون ما سوى ذلك، وهذا ليس لقناعة علمية؛ فإن "العظم" وأمثاله ليسوا من علماء الأحياء حتى نقول بأنه أخذ النظرية عن قناعة، فإذا كان الأمر كذلك فلما يقال بالتعارض مع أن هناك من طورها بحيث تقترب من الدين، وهناك من رأى إمكانية التوفيق بينها وبين الدين، وهناك من يعتقد عدم صحتها ولكنه يعزي المشكلة إلى أن البديل لها هو الاعتراف بالخلق وهذا ما يرفضه العلم بسبب تمكن بعض الملحدين من زمامه (١). يكشف لنا مثل هذا التصرف البعد الأيدلوجي الذي غلب على البعد المعرفي، المادية هنا تطغى على العلمية، فكُره الدين أعمى أبصارهم وجعلهم يتحمسون لكل ما يعارضه.

فمن النوع الأول: ينبه هذا الماركسي بأنه سيتوجه "إلى مثال يبين بجلاء كيف يقودنا البحث العلمي إلى قناعات وتعليلات تتنافى مع المعتقدات الدينية. . . ."، ثم ذكر بأن "القارئ يعرف التعليل الإِسلامي التقليدي لطبيعة الكون ونشأته ومصيره: خلق الله هذا الكون في فترة معينة من الزمن بقوله كن فكان"، ثم ذكر "حادثة طرد آدم وحواء من الجنة"، وذكر أن الله "يتدخل من وقت لآخر في نظام الطبيعة فتكون المعجزات، أما الطبيعة فقد حافظت على سماتها. . . .".

(أما النظرية العلمية حول الموضوع ذاته فلا تعترف بالخلق من لا شيء، ولا تقر بأن الطبيعة كانت من البداية كما هي عليه الآن"، ثم انتقل فجأة ليؤكد هذه النظرة العلمية بما نقله عن فيلسوف ملحد مشهور، فقال: "لقد عبر الفيلسوف والعالم الإنكليزي المعاصر برتراند رسل عن هذه النظرة العلمية في قطعة أدبية جميلة ثم ساقها في ما يقرب من صفحة ثم قال: "هذا المقطع الذي كتبه رسل يلخص لنا بكل بساطة النظرة العلمية الطبيعية للقضايا التالية: نشوء الكون وتطوره، نشوء الحياة وتطورها، أصل الإنسان ونشأته وتطوره، نشوء


(١) سبق الحديث عن شيء من ذلك في الفصل الثاني من الباب الثاني ص ١٠١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>