هواهم فيما يُعارض الدين وتأثرهم بمذاهب غربية لا تبالي بالدين!
أليس من المفترض من هؤلاء المطلعين على الأفكار الحديثة والعلوم العصرية وفلسفاتها أن يختاروا لأمتهم: أزكاها وأنفعها وأصوبها، بدل تهافتهم على الظنيات أو على فلسفات لا علاقة لها بالعلم، أو هي مما ينطبق على أديان باطلة وليس على الدين الحق، أو على أفكار مريضة معادية للدين؟ لماذا كل هذا الإصرار على نظريات معينة هي مجال اعتراض حتى داخل ميدان العلم ذاته؟ إن هذه الأسئلة تأتي بحق بعد أن رأينا بأن ما يقدمونه من شواهد على التعارض لا يدل على إشكال معرفي واشتباه منهجي، وإنما عن هوى أو أيديولوجيا قبيحة وصريحة.
المثال الخامس:
لم يسلم مجال علمي أو فكري دخله المتغربون من إثارة التعارض بين الدين والعلم الحديث، مستندين في ذلك إلى نظريات العلم، وقد يصرحون بذلك وقد يفعلون ما هو أخطر من بثّ السمّ دون تصريح، ومن ذلك هذا المثال: فقد أخرج لويس عوض كتابًا حول فقه اللغة العربية بعنوان "مقدمة في فقه اللغة العربية"، واعتمد فيه كثيرًا على بحوث المستشرقين التي تعاملت مع اللغة العربية غالبًا بانتقاص واضح، وما يهمنا هنا هو ذكر إقحام مشكلة التعارض في باب بعيد عن مشكلة العلاقة بين الدين والعلم، ففي حديثه عن نشأة اللغة العربية مرّ بمسألة ذات علاقة بالموضوع حول إنكار أن تكون أرض اليمن قد عرفت الخصوبة في يوم من الأيام، وانتقل إلى نظريات جيولوجية تثبت وجهة نظره، مع أنه يوجد رأي جيولوجي آخر يثبت مرور أرض اليمن في مرحلة قديمة بخصوبة، وهذا ما نجده من حديث القرآن حول أرض سبأ وما كان فيها من خصوبة، وهو يعترض على القول الثاني ويؤيد الأول، ولا شك أن في هذا نوع من إبداء رأي يخالف ما ورد في القرآن، مع أنها مسألة تحتاج حتى عند القول بالخصوبة لتفسير شرعي يعطي نوعًا من التوضيح عن حدود تلك الخصوبة، وليس هذا مجال بحثها، وإنما المقصود كيف أنه تثار مثل هذه المعارضات للوحي باسم العلم في كل فرصة يجدونها (١).
(١) انظر كلامه ص ٣٩ من كتابه: مقدمة في فقه اللغة العربية، وانظر: بعض مناقشات =