للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين الأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده كنفع الإيمان والتوحيد؛ والعدل والبر والتصدق والإحسان؛ والأمانة والعفة. . . . إلى أن قال: "ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف منة عليهم: أن أرسل إليهم رسله؛ وأنزل عليهم كتبه؛ وبين لهم الصراط المستقيم.

ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام والبهائم بل أشر حالًا منها، فمن قبل رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية، ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية، وأسوأ حالًا من الكلب والخنزير والحيوان البهيم إلى أن قال: "وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس والقمر؛ والرياح والمطر، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته؛ ولا كحاجة العين إلى ضوئها والجسم إلى الطعام والشراب؛ بل أعظم من ذلك؛ وأشد حاجة من كل ما يقدر ويخطر بالبال، فالرسل وسائط بين الله وبين خلقه في أمره ونهيه إلى أن قال: "وقال صلوات الله وسلامه عليه: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" (١)، وهذا المقت كان لعدم هدايتهم بالرسل فرفع الله عنهم هذا المقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعثه رحمة للعالمين ومحجة للسالكين وحجة على الخلائق أجمعين إلى أن قال: "أرسله الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فختم به الرسالة؛ وهدى به من الضلالة؛ وعلم به من الجهالة وفتح برسالته أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها؛ وتألفت بها القلوب بعد شتاتها، فأقام بها الملة العوجاء وأوضح بها المحجة البيضاء، وشرح له صدره؛ ووضع عنه وزره؛ ورفع ذكره؛ وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، أرسله على حين فترة من الرسل ودروس من الكتب، حين حرف الكلم وبدل الشرائع واستند كل قوم إلى أظلم آرائهم وحكموا على الله وبين عباده بمقالاتهم الفاسدة وأهوائهم، فهدى الله به الخلائق وأوضح به الطريق، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور" (٢).


(١) مسلم برقم (٥١٠٩)، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار من كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها.
(٢) انظر: الفتاوى ١٩/ ٩٣ - ١٠٥، مع الاختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>