للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني ذكره سيد قطب حول هذه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]، في "في ظلال القرآن" فقال: ". . . . إن بعض دلالته أن شريعة الله كل لا يتجزأ. كل متكامل. سواء فيه ما يختص بالتصور والاعتقاد؛ وما يختص بالشعائر والعبادات؛ وما يختص بالحلال والحرام؛ وما يختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية. وأن هذا في مجموعه هو "الدين" الذي يقول الله عنه في هذه الآية: إنه أكمله. وهو "النعمة" التي يقول الله للذين آمنوا: إنه أتمها عليهم". . . ."أكمل الله هذا الدين. فما عادت فيه زيادة لمستزيد. وأتم نعمته الكبرى على المؤمنين بهذا المنهج الكامل الشامل. ورضي لهم الإِسلام دينًا؛ فمن لا يرتضيه منهجًا لحياته -إذن- فإنما يرفض ما ارتضاه الله للمؤمنين.

ويقف المؤمن أمام هذه الكلمات الهائلة؛ فلا يكاد ينتهي من استعراض ما تحمله في ثناياها من حقائق كبيرة، وتوجيهات عميقة، ومقتضيات وتكاليف. ."، إلى أن قال: ". . . . حتى إذا أراد الله أن يختم رسالاته إلى البشر؛ أرسل إلى الناس كافة، رسولًا خاتم النبيين برسالة "للإنسان" لا لمجموعة من الأناسي في بيئة خاصة، في زمان خاص، في ظروف خاصة .. رسالة تخاطب "الإنسان" من وراء الظروف والبيئات والأزمنة. . . . وفصل في هذه الرسالة شريعة تتناول حياة "الإنسان" من جميع أطرافها، وفي كل جوانب نشاطها؛ وتضع لها المبادئ الكلية والقواعد الأساسية فيما يتطور فيها ويتحور بتغير الزمان والمكان؛ وتضع لها الأحكام التفصيلية والقوانين الجزئية فيما لا يتطور ولا يتحور بتغير الزمان والمكان .. وكذلك كانت هذه الشريعة بمبادئها الكلية وبأحكامها التفصيلية محتوية كل ما تحتاج إليه حياة "الإنسان" منذ تلك الرسالة إلى آخر الزمان؛ من ضوابط وتوجيهات وتشريعات وتنظيمات، لكي تستمر، وتنمو، وتتطور، وتتجدد؛ حول هذا المحور وداخل هذا الإطار"، إلى أن قال: "وقال الله -سبحانه- للذين آمنوا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .. فأعلن لهم إكمال العقيدة، وإكمال الشريعة معًا. . فهذا هو الدين .. ولم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين -بمعناه هذا- نقصًا يستدعي الإكمال. ولا قصورًا يستدعي الإضافة. ولا محلية أو زمانية تستدعي التطوير أو التحوير .. وإلا فما هو بمؤمن؛ وما هو بمقر بصدق الله؛ وما هو بمرتض ما ارتضاه الله للمؤمنين!

<<  <  ج: ص:  >  >>