إن شريعة ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن، هي شريعة كل زمان، لأنها -بشهادة الله- شريعة الدين الذي جاء "للإنسان" في كل زمان وفي كل مكان، لا لجماعة من بني الإنسان، في جيل من الأجيال، في مكان من الأمكنة، كما كانت تجيء الرسل والرسالات.
الأحكام التفصيلية جاءت لتبقى كما هي. والمبادئ الكلية جاءت لتكون هي الإطار الذي تنمو في داخله الحياة البشرية إلى آخر الزمان؛ دون أن تخرج عليه، إلا أن تخرج من إطار الإيمان!
والله الذي خلق "الإنسان" ويعلم من خلق؛ هو الذي رضي له هذا الدين؛ المحتوي على هذه الشريعة. فلا يقول: إن شريعة الأمس ليست شريعة اليوم، إلا رجل يزعم لنفسه أنه أعلم من الله بحاجات الإنسان؛ وبأطوار الإنسان! ". . . .
(ويقف المؤمن ثانيًا: أمام إتمام نعمة الله على المؤمنين، بإكمال هذا الدين؛ وهي النعمة التامة الضخمة الهائلة. النعمة التي تمثل مولد "الإنسان" في الحقيقة، كما تمثل نشأته واكتماله. "فالإنسان" لا وجود له قبل أن يعرف إلهه كما يعرفه هذا الدين له وقبل أن يعرف الوجود الذي يعيش فيه كما يعرفه له هذا الدين. وقبل أن يعرف نفسه ودوره في هذا الوجود وكرامته على ربه، كما يعرف ذلك كله من دينه الذي رضيه له ربه. و"الإنسان" لا وجود له قبل أن يتحرر من عبادة العبيد بعبادة الله وحده؛ وقبل أن ينال المساواة الحقيقية بأن تكون شريعته من صنع الله وبسلطانه لا من صنع أحد ولا بسلطانه.
إن معرفة "الإنسان" بهذه الحقائق الكبرى كما صورها هذا الدين هي بدء مولد "الإنسان" .. إنه بدون هذه المعرفة على هذا المستوى؛ يمكن أن يكون "حيوانًا" أو أن يكون "مشروع إنسان" في طريقه إلى التكوين! ولكنه لا يكون "الإنسان" في أكمل صورة للإنسان، إلا بمعرفة هذه الحقائق الكبيرة كما صورها القرآن .. والمسافة بعيدة بعيدة بين هذه الصورة، وسائر الصور التي اصطنعها البشر في كل زمان! "، إلى أن قال:"ويقف المؤمن ثالثًا: أمام ارتضاء الله الإِسلام دينًا للذين آمنوا .. يقف أمام رعاية الله -سبحانه- وعنايته بهذه الأمة، حتى ليختار لها دينها ويرتضيه .. وهو تعبير يشي بحب الله لهذه الأمة ورضاه عنها، حتى ليختار لها منهج حياتها". . . ."إن ارتضاء الله الإِسلام دينًا لهذه الأمة، ليقتضي منها ابتداء أن تدرك قيمة هذا الاختيار. ثم تحرص على