للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستقامة على هذا الدين جهد ما في الطاقة من وسع واقتدار .. وإلا في أنكد وما أحمق من يهمل -بله أن يرفض- ما رضيه الله له، ليختار لنفسه غير ما اختاره الله! .. وإنها -إذن- لجريمة نكدة" (١).

ومن المهم إدراك أن شمولية الإِسلام وكفايته وحاجة الناس إليه، والتي هي فوق حاجتهم لكل شيء، لا يعارض مطلب الحاجة إلى العلوم العصرية، فلا تعارض بين حاجة الناس للدين وحاجتهم لهذه العلوم، بل إن طلب هذه العلوم يُعد جزءًا من الدين عندما يرتبط الطلب بالنافع منها، كما ذُكر ذلك عن أهل العلم الشرعي في مباحث سابقة (٢). ولذا فإنه لا حاجة لهذه الدعوى، ولا ندري كيف تظهر في المسلمين، فعلاقة العلوم البشرية النافعة بالدين هي علاقة الجزء بالكل والفرع بالأصل، فما يكون من الدين له صور، منها: أنه مما يأمر به الدين، ويحث على طلبه، مما ينفع الناس في دينهم أو دنياهم.

والدين يحث على ما ينفع، وعلى طلب القوة، ويقع الانحراف عندما يُكتفى بالجزء وُينبذ الكل، ويؤخذ الفرع ويترك الأصل، هنا تكون هذه العلوم مفصولة عن حياتها ونورها، فتعوم دون هداية، وتتحول إلى أداة إفساد، عندما تفقد الإطار والتوجيه والإرشاد الرباني.

يظهر بين الأسباب الاغترار بالعلم الحديث والفتنة به، ومن ثمّ الفتنة بالحياة الدنيا، وذلك ما حذرنا منه القرآن الكريم فقال -تعالى-: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: ٣٣]، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٥)} [فاطر: ٥]، وقال -تعالى-: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: ٢٠]، وقال -تعالى-: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [البقرة: ٢١٢]، وقال -تعالى-: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: ١٨٥]، وقال -تعالى-: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)} [الروم: ٧]، وآيات كثيرة أخرى تحذر من الفتنة بهذه الحياة، وإن كان ذلك لا يعني إهمالها، وإنما يكون ذلك بعمارتها كما أراد خالقنا سبحانه. فإذا اجتمع مع الفتنة بالدنيا مرض قلبي وبغض للدين،


(١) في ظلال القرآن ٢/ ٨٤٢ - ٨٤٦، مع الاختصار.
(٢) انظر: المبحث الأول في الفصل الخامس من الباب الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>