للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا مما يدفع بأصحابه إلى مثل هذه الدعوى القائمة على شمولية العلم وكفايته وعدم الحاجة للدين.

وقد برزت هذه الدعوى أول ما برزت في أوروبا مع ازدهار العلوم البشرية فيها ونمو تيارات فكرية علمانية ومادية -فأظهرت دعاوى منها الوضعية والعلموية القائمة على الغلو في العلم الحديث، وقد ذكر سيد قطب بأنه جاءت دعوات لهجر "التصور الإيماني المشرق الصادق الواضح الجميل" من بعض عشاق الفلسفة ومن بعض عشاق العلم، إلى "التصورات الفلسفية الكئيبة الغامضة المعقدة الجانبية" مع الفلاسفة، وكذلك "يلح علينا بعض عشاق "العلم" .. تارة مع التواضع والاعتراف بأن العلم لن يصل إلى هذه الحقيقة، وتارة مع الادعاء العريض بأن في العلم الكفاية والغناء عن "الدين"! " (١). ثم ذكر منهم "جوليان هاكسلي" المتبجح مستندًا إلى جهالات دينية كدليل على الاستغناء عن الدين كله، وفي ذلك يقول: "والحالة الخاصة التي تواجه الدين في المدنية الغربية هي: أن الاعتقاد في الله أدى كل ما يستطيع من فائدة، وليس في وسعه أن يفعل أكثر من ذلك. . . . ولقد أوصلنا تقدم العلوم، والمنطق، وعلم النفس، إلى طور أصبح فيه الإله فرضًا عديم الفائدة، وطردته العلوم الطبيعية من عقولنا حتى اختفى كحاكم مدبر للكون، وأصبح مجرد أول سبب أو أساسًا عامًا غامضًا"، وقد سبقه إلى هذا القول العالم الرياضي والفلكي المشهور "لابلاس" عندما سأله "نابليون" عن مكانة الرب في نظامه المقترح عن الكون، فقال: إنه فرض لا أحتاجه، وهكذا حال بعض المسلمين عندما يؤلفون كتبًا في العلوم الطبيعية، ثم لا تجد شيئًا من ربط هذا الكون المخلوق بخالقه، وغفلتهم مع قوانينه وسننه التي يسير بمقتضاها عن واضع كل ذلك وخالقه ومدبره.

يقول "هكسلي" بعد ذلك: "وبإحلال المعرفة محل الجهل في هذا الميدان، وزيادة سيطرة الإنسان على بيئته نتيجة لتفكيره، يتلاشى الإله كما يتلاشى الشيطان قبله، وآلهة الدنيا القديمة، وجنيات الغابات والبحيرات، والأرواح المحلية" (٢).

يستند هذا الإلحاد الأحمق على دعاوى متناقضة وتعميمات كاذبة ترفضها


(١) مقومات التصور الإِسلامي ص ٥١.
(٢) الإنسان في العالم الحديث، هكسلي ص ٢٢١ - ٢٢٣، ترجمة حسن خطاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>