للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقول الصحيحة، ولكنه الإلحاد الحاقد الذي يدفعهم لهذا الغلو والتناقض، وقد جاء الرد عليهم سريعًا كما سبق في الفصل الأول من داخل العلم ذاته: حيث انقلب العلم المعاصر على كثير من دعاوى الغلو التي عرفتها تيارات "الوضعية" و"العلموية" و"المادية"، وجاء الرد من واقع المجتمعات المعاصرة، التي عرفت التقدم في العلوم العصرية، كيف تساوى شرها مع خيرها، وضرها مع نفعها، وأصبحت مشكلات العلم تُخيف العقلاء وتحبط كل تلك الدعاوى بكفاية العلم.

اكتسب العلم الحديث ولاسيّما في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر -بحسب كلام "باشكيل"- مفهومين هما: أنه معرفة مطلقة قطعية وغيره ليس كذلك. كما أنه معرفة مطلقة شاملة؛ لذا فهو يبحث في كل شيء وما لا يدخل فيه يطرد من عالم الحقيقة، وقد تسبب هذا التوسع للعلم بصراعه مع الدين، فالعلم يوسع كل يوم من ساحته ويخطو نحو السيطرة على عقل الإنسان وروحه (١). فظهرت نزعة المغالاة في العلم التي تخضع له سائر الأشياء في ضوء نجاحاته الكبيرة، ومع ظهور كتب كثيرة في الغرب تعالج هذه المشكلة، إلا أنها لم تحظ بعناية كتلك الوضعية التي حظيت بعناية (٢).

ولكن هذه "الوضعية" و"العلموية" و"المادية" قد اصطدمت بتحديات وأسئلة تخفف من غلوها وتدفع العاقل للبحث عن إجابات خارج دائرة العلم الحديث، ومن ذلك: ماذا توصلنا إليه تلك الوضعية والغلو في العلم؟ وما القيم التي توصلنا إليها في النهاية؟ فقد غمرتهم إنجازات العلم ومكتشفاته وأنستهم الجانب المظلم الذي ولد بجانبه عندما انفصل عن التوجيه السماوي. يكفي حتى في الجانب المادي أن نرى الجانب المخيف المرتبط بالعلم: الحروب المدمرة والمهولة في القرن الرابع عشر/ العشرين، الدمار البيئي المخيف، اليأس وفقد معنى الحياة؛ فكيف تكون الحياة في المقابل عندما لا يكون هناك إيمان بالرب سبحانه أو باليوم الآخر (٣).

عندما يحصر العلم همّه في هذه الآلة الكونية لفحص أجزائها وتعرف قانون


(١) انظر: موقف الدين من العلم، د. علي باشكيل ص ٥٧ - ٥٩.
(٢) انظر: من العلم العلماني إلى العلم الديني، مهدي كلشني ص ٤٩ - ٥٠.
(٣) انظر: موقف الدين من العلم ص ١٤٨ - ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>