للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيرها، إنما يعنيه من وراء هذا البحث تنظيم الجهد الإنساني وتنسيقه على وفق ذلك القانون الآلي، ويُهمل السؤال عن صانع هذه الآلة وواضع ذلك النظام لعدم تخصصه في ذلك، وتُلام إذا جعلت ذلك الحد قيدًا للعقل حيث يغرق في اللحظة الحاضرة ويقتنع بها هاربًا عن الماضي السحيق والمستقبل البعيد والغيب المحيط، فيهبط من عرش إنسانيته إلى صف الحيوانية "ويسكت ذلك الصوت السماوي الذي يناديه من أعماق روحه، مستحثًا له على استكمال فطرته، زاجرًا له عن الاكتفاء بنظره في حاضر الأشياء وحاضره، عن التطلع إلى مبدئها ونهايتها، وإلى مبدئه ونهايته" (١).

رغم أن الاتجاه الوضعي والحسي والمادي "العلموي" قد جعل المرجعية العليا للعلم إلا أنه -في الغرب- واجه أسئلة صعبة، واعترف بها مفكرون في دائرة العلم ذاته، وبحسب "كلشني" فمن هذه الأسئلة: التشكيك في قدرة العلم على تامين إجابات حيال الأسئلة الرئيسية التي تشغل الإنسان: كيف ابتدأت الأشياء؟ من أجل ماذا نحن هنا؟ ما هدف الحياة؟ البدايات والنهايات؟ وغيرها. لقد كان الثمن باهظًا عند الاستسلام لذلك الغرور بالعلموية والحسية، وغيرها (٢). ولهذا لم يعد مستغربًا نقد العلم، بل أصبح ظاهرة فكرية صحيحة في الغرب وذلك -وبحسب "أحمد شوقي"- لا يتعارض مع الدفاع عنه وعن منجزاته، والنقد هو روح العلم (٣). ثم ذكر ثلاثة اتجاهات يصب فيها نقد العلم هي: "العلموية - العلاقة بين الدين والعلم - مدى حيادية العلم"، ويهمنا منها الأول: "وتعني العلموية باختصار الاقتناع بالقدرة غير المحدودة للعلم على تفسير كل ما في الكون، وبأنه في رأي بعض غلاة العلموية الوسيلة الوحيدة للمعرفة التي تملك الحل السحري لكل مشكلة. . . . وينتقد هذا الاتجاه بأن العلم لا يستطيع الإحاطة بالجوانب المعرفية ذات الطبيعة الأخلاقية أو الجمالية أو الدينية، أو الروحية بشكل عام. كما أن لامحدودية قدرته أمر لا يتسق مع الواقع" (٤)، إن هؤلاء يقدمون صورة من صور عبادة العلم التي لا تتفق مع كون


(١) انظر: الدين، د. محمَّد دراز ص ٥١ - ٥٢ وما بين القوسين ص ٥٢.
(٢) انظر: من العلم العلماني إلى العلم الديني ص ٩٥ - ١٠٤.
(٣) انظر: إلا العلم يا مولاي، د. أحمد شوقي ص ١٦.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>