ويحاولون كشف تلك العلاقات بمعادلات رياضية سهلة وقوانين ميسورة، وتحدث حول كل ذلك الصراعات الهائلة والمناقشات الضخمة، ثم يظهر جهاز صغير، تحمله اليد، وتنظر من خلاله العين، فترى بصورة سريعة ما لم يكُن يرى، وتكشف أشياء لم تخطر على بال أحد، فتقوم بهدم ذلك التراث الضخم، وتحول كل تلك الكتب إلى المتاحف، والمراصد إلى الآثار، والجهود والصراعات إلى التاريخ، وتطوى حقبة طويلة بلغت مئات السنين لاسيّما تركة أرسطو حول الأفلاك وما في بابها.
والعجيب أنه منذ نظرية بطليموس ورؤية أرسطو واعتماد الكنيسة لها، واعتمادها في أغلب كتب الفلسفة والعلم في العصور الوسطى، واعتمادها مئات السنين، وتحويلها إلى عقيدة كنسية يكفر من يخالفها، تأتي آلة صغيرة، وجهاز متواضع ليحطم كل علم أرسطو ونظام بطليموس حول الكون، وقامت هذه الآلة بالمهمة نيابة عن عشرات الأشخاص ومئات الكتب وآلاف الصفحات وأوقفت الجدل الطويل والصراع الكبير، وقالت رأيًا شبه حيادي في الموضوع. لقد انتقل الحديث من الاحتمالات العقلية والملاحظات والمشاهدات البصرية العادية إلى التلسكوب، وبدأ أغلب أطراف الصراع بوضع كل تركتهم عند عدسته، وانتظار حكمها في كل ذلك، فما أيدته قُبل، وما لم تؤيده اختلف فيه أو رفض. وهو جهاز بسيط يسّره الله سبحانه لبعض خلقه، فقلب الوضع رأسًا على عقب. وفي هذا عبرة مفادها: بأن العلم ما لم يكن وحيًا من السماء فسيبقى تحت دائرة الاحتمال والظن، وأن ما يعتقده الناس علمًا ولم يكن له دليل من الوحي، فقد يأتي يوم من الأيام يتحول إلى خطأ تاريخي يعجب المتأخرون كيف أن المتقدمين قالوا به كل هذه السنين.
وبالعودة إلى الأحداث الدائرة حول الثورة العلمية وبعد إعلان "جاليليو" نتائجه، كان الخاسر الوحيد هو الكنيسة وأتباع أرسطو، فأما الكنيسة التي سمحت في الفترة الماضية بكتب "كوبرنيكوس" ونظريته كفرضية عادت الآن وحرّمتها وجرّمت "كوبر". وقام بعض رجال الكنيسة مع بعض المتعصبين لأرسطو بالامتناع عن النظر من خلال التلسكوب حتى لا يهتزّ ما أثبته أرسطو أو الكنيسة.
وأما جاليليو بكلامه هذا فسيدخل في صراع طويل ومرير مع الكنيسة كان أخطر بكثير في آثاره من ذلك الذي حدث مع "برونو"، فبرونو يبقى في الدرجة