للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى فيلسوفًا أما جاليليو فهو عالم، وجعله "راسل": "أعظم مؤسسي العلم الحديث، مع إمكان استثناء نيوتن" (١). ويهمنا في هذه الأحداث الصورة النمطية التي تشكلت من آثار الصراع حول هذه النظرية وأصبحت نموذجًا يتكرر مع ظهور كل نظرية جديدة في الغالب.

لقد استعان جاليليو بأداة جديدة في الصراع الدائر في أوروبا آنذاك، والذي يظهر أنه لم يكن في حاجة إليها للاقتناع الشخصي بنظام "كوبر" ونظريته، فقد كان فرحًا بها لإقناع المخالفين وجمهور الناس. ومنذ ذلك الحين وإلى الآن والآلات بأنواعها تدخل في أغلب الصراعات التي يولدها التعارض بين نظريات العلماء وأفكارهم من جهة والثقافة السائدة من جهة أخرى، وقد أصبح لها مكانة كبيرة في حسم أغلب الصراعات. ويتناسى البعض بأن هذه الأجهزة يدخلها الخطأ والاشتباه، وأنها -وإن كانت مادية- فهي تتأثر بمن يصنعها أو يوجهها أو يستثمرها، وهذا ما يؤكده بعض فلاسفة العلم المعاصرين ولاسيّما في الجوانب البعيدة أو الصغيرة، حيث يختلط فيها رأي العالم بتفسير الظاهرة (٢).

ومن أيام التلسكوب الذي قرب البعيد إلى بعض الأجهزة الحديثة التي ساعدت مجموعة للقيام بعمليات الاستنساخ لبعض الكائنات الحية، وللأجهزة أثرٌ كبير في إيجاد صراعات ثقافية كبيرة أو إقفالها.

وسيظهر في بعض فقرات البحث شيء من ذلك فنجد عمدة بعض الرافضين لما جاء في الدين من قضايا خبرية، بأن الأجهزة الحديثة بقياساتها الدقيقة لم تُثبت ذلك، أو أثبتت خلافه، مع أنه عند التحقيق يظهر خطؤهم، ومن باب التمثيل أذكر حديثًا وقع في زمننا حول نوعٍ من الأجهزة -وهي تلك التي تكشف بعض المخفي كالأشعة وما في بابها- فإن هناك أدوات تصوير حديثة تكشف الجنين في بطن أمه وتحدد جنسه: ذكر أو أنثى، فقد يتوهم البعض ويجعل ذلك من باب الغيب المطلق؛ لأن النصوص الشرعية تجعل ذلك من باب الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وهذا يعني عدم قدرة الأجهزة الحديثة على كشف ذلك، ولا شك أن هذه المسألة ما كانت لتثار لولا ما يسره الله للبشر من اكتشاف هذه


(١) تاريخ الفلسفة الغربية (الحديثة) الكتاب الثالث، راسل ص ٦٦.
(٢) انظر: الباب الثاني، الفصل الثاني، المبحث الأول، من هذا البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>