للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شميل" و"سلامة موسى"، فهما في أغلب الكتابات التغريبية زعيمان فكريان مهمان، ويوضعان عادة كقيادة للفكر العلمي في فكرنا الحديث (١)، حيث نجد أنهما في النهاية وقعا ضحية مراهقة فكرية قادتهما إلى الإلحاد وتبني نماذج فكرية غربية فجة لا علاقة لها بالعلم بقدر ما هي حالات مرضية تحاول عبر الالتصاق بالعلم استغلاله وتوجيهه في خدمة أهوائها.

إذا رجعنا إلى أعمال "شميل" و"موسى" نجد أن النظرية الدارونية قد أخذت حيزًا كبيرًا من كتاباتهما، سواء كان ذلك في الجانب العلمي منه -بعيدًا عن صحته من عدمها- أو الجوانب الأيديولوجية المرتبطة بتلك النظرية، فألّف "شميل" "فلسفة النشوء والارتقاء"، وترجم "شرح بخنر على مذهب دارون" مع مقالات في الصحافة، أما "سلامة موسى" فألف الكثير منها تحت تأثير الدارونية، مثل: "مقدمة السبرمان"، "نشوء فكرة الله"، "نظرية التطور وأصل الإنسان"، "الإنسان قمة التطور". وهذه من مجموعة كتب تصل إلى خمسين كتابًا تدور في الغالب بحسب كلامه حول فلسفة التطور. وبما أنهما يتحركان في إطار "الفكر العربي" وداخل "الأمة الإسلامية" في فترة التحول الحديثة فإن هناك سؤالًا: هل كان ما ينقصنا هو الدارونية؟ إنه سؤال مهم يكشف جوابه عن سرّ تركيزهم على الدارونية. لماذا أخذت الدارونية كل هذه المساحة في مشروعهما الفكري وفي كتابات مجموعة عاصرتهما وعاصراها؟ لقد كان ينقص الأمة الإسلامية أشياء مهمة برع فيها الغرب، فلماذا أخذت تلك الأمور مستوى أدنى؟ بينما رُفع من سنان الدارونية وكأن ما ينقصنا هو الدارونية، وأن شرط النهوض أن نتحول إلى دارونيين!

إن مجموعة من يكتبون عن الفكر العربي المعاصر -ويضعون دعاة الدارونية كرواد لنهضتنا- لا يبحثون مثل هذه الأسئلة، وينطلقون في تبجيل أيديولوجي غير أخلاقي وغير عقلاني. بينما هم في الحقيقة رواد لتيار عربي المظهر واللسان، غربي القلب والعقل ممن تغربوا وانساقوا لأكثر المذاهب تطرفًا في عدائها للدين، وليست المسألة فقط تقليدًا وانهزامًا حضاريًا أمام الغرب؛ بل هو أوسع مع تلك الفئة التي نبتت في وقت انهيار العالم الإسلامي، أمام


(١) انظر: هموم الفكر والوطن، د. حسن حنفي ٢/ ٤٣٦ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>