للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستعمار الغربي، لقد أصبحوا أداة فكرية للاستعمار في هدم الإسلام. فركزوا على نشر ما لا نفع فيه، أو ضرره أكبر من نفعه، أو هو ضرر محض، وتركوا نشر العلم النافع، وكونهم أداة هدم هو الأوضح في تفسير مثل هذه الظاهرة؛ لأنهم انسلخوا عن بني جلدتهم من النصارى ثم اشتغلوا بهدم أمتنا الإسلامية. وقد يُخيّل إلى بعضهم من عمق ضلاله أنه على الحق، وأنه يهدي الأمة العربية روائع التقدم البشري، ولاسيّما إذا أقصي عن ملته ولم يجد أحدًا يقف معه، ثم جاء بعض الغربيين ليتبناه أو يدعمه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فإنه يحول ولاءه إلى الآخرين ويرى أنهم الأولى بالنُصرة والتأييد.

ستجد لهؤلاء المبجلين للدارونيين العرب دفاعًا عنهم بأنهم يقومون بنقد للدين الفاسد، وهنا يأتي دور التفريق بين الدين الحق والأديان الباطلة "المبدلة أو المخترعة"، فإذا جاء مفكر بأداة منهجية تفيد في تخليص الناس من الدين الباطل فهو مقبول، ولكن هل يدخل فيه مثل هؤلاء؟ لا يوجد ملحد يمكن دخوله في هذا الباب، الملحد يدفعه إلحاده إلى التنكر للحقائق الدينية، ويرفض التفريق بين الدين الحق وأديان الباطل، فلا يفرق بين المختلفات، فهو يمتلك أداة يهدم بها الدين، فالمتعصب له يراها أداة للتحرر، بينما من يزن الأمور بميزان الحق والعدل ويفرق بين الأمور المختلفة، يعلم أن مثله مثل المجرم الذي حصل على سلاحه فاستخدمه في جرائمه، وهذا يقع في مجرمي الأفكار عندما يتعرفون على مناهج وأدوات فكرية فيوظفونها في الباطل، وانظر إلى ما يقوله أحد المعجبين بسلامة موسى: "ومن هنا كانت أهمية داروين لديه. . . . أن مصدر إعجابه بداروين يعود إلى أنه قد ساعده في هدم التقاليد، والوصول إلى بشرية تنأى عن الغيبيات، حينما استطاع أن يعلل علميًا كيفية ارتقاء الإنسان، وبالتالي سد الطريق على قضية الخلق الغيبية، والتي قالت بها الأديان. وهذا نفسه ما دعا البعض إلى القول بأن إنتاج سلامة موسى لخطاب الدارونية إنما كان لمواجهة الغيبيات. . . ."، و"وضعوا استخدام سلامة موسى للدارونية في إطار بناء جبهة ثقافية نقدية" (١). فتكون الدارونية بهذا المعنى وسيلة هدم في المقام الأول.


(١) سلامة موسى بين النهضة والتطور، د. مجدي عبد الحافظ ص ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>