ومواجهته وإبطال زيفه وأنه لا علاقة له بالعلم الصحيح الثابت، وإنما هو أيدولوجيا ترتبط بفراغات خطيرة موجودة في العلم، وليس المقصود من هذا الكلام الانتقاص من شأن جهود فكرية مدهشة ناظرت الدارونيين المتغربين وخفف من غلواء المادية والإلحاد رغم الاعتراف بوجود ملحوظات على عملهم؛ وإنما المقصود الاستفادة من تجربة أصبحنا بعيدين عنها بما يكفي للتبصر في الأمر وأخذ الدروس الكافية. أما نقد النظرية في جانبها العلمي فالأولى أن يكون من مفكر مسلم متمكن من علم الأحياء وما يرتبط بها ومتخصص فيها ومشارك في ميدانها، فمثل هذا أقدر على إعطائنا الحدود الفاصلة في كل نظرية، وقادر على توصيف مكونات النظرية: ما الجانب الفرضي فيها؟ وما القوانين أو المعادلات والحسابات الصحيحة؟ وما جوانب الضعف والقوة؟ وما القطعي فيها والظني؟ وما المحدد الواضح وما العام الغائم فيها؟ عندها يكون إبداء الرأي الديني أيسر وأقوى.
لقد جعل هؤلاء الدارونيون العرب من الدارونية أداة للقول بالإلحاد ونبذ الدين، فكان الأولى الوقوف مع هذا الإلحاد ذاته قبل التعجل في التوفيق بين الإسلام والدارونية، فإن مصير الأمة ومستقبلها لم يكن مرتبطًا بتقبلنا للدارونية، فهي في مجالها العلمي نظرية أخذت شهرة كبيرة في علم الأحياء، إلا أنه عند افتراض وجود مجتمع لم يعرفها ولم يدرسها في مدارسه وحرص على العلوم النافعة؛ فإنه سيتقدم مع جهله بها، وإذا كان مصير الأمة لا يتأثر بجهلنا بتلك النظرية فإن واقع الأمة يتأثر بوجود الدارونية الملحدة كفلسفة؛ لأنها جعلت من أصولها إنكار الدين وإقامة الإلحاد، فكان الأهم من محاولات التوفيق الاجتهاد في إبطال الإلحاد الداروني.
لم يتوقف الدارونيون المتغربون عند إنكار الدين، بل تجاوزوا ذلك إلى إعلان الإلحاد، وتكون المفارقة العجيبة، حيث كان العالم الإسلامي يبحث عن علوم تجعله قويًا بإسلامه، فإذا هو -عبر الدارونيين- يلتقي بالعلم وبدعاته في وجه إلحادي، فظهرت الدعوة إلى الإلحاد باسم العلم ذاته، حيث اعتبر "العلم" هو المطلق "والإله الوحيد" عند "شميل"، ورفض أي توفيق بين العلم والدين لاعتقاده بالتناقض المطلق بينهما، مستندًا في ذلك "إلى معطيات التطورية الدارونية والأفكار العلمية الأوروبية". وأنكر وجود الرب "فالمادة هي المكون