للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النضج عالية مع المسيحية والإسلام" (١). وهذا أقصى ما نجده عندهم حول الدين، وهو تصور طبيعي لمن لا يقر أصلًا بالرب سبحانه، فيكون البحث منصبًا في طريقة تطور الدين كنشاط اجتماعي أو كظاهرة اجتماعية، أنتجها المجتمع بما يتوافق مع تطوره.

لا شك أن "سلامة موسى" كان الأكثر كتابة ونشاطًا، حيث عاش فترة طويلة سمحت له بقول كل ما يريد ويبثه في المجتمع، مع الرعاية المميزة التي حصل عليها من هذا الطرف أو ذاك في فترة الاستقطاب الغربي لبعض الشخصيات المتحركة، ولهذا فإن النظر ليس إليه كشخص أو حتى كمفكر مستقل؛ وإنما كأداة تعبر عن أهداف مجموعة أكبر تتخذ من "سلامة موسى" لأكثر من خمسين سنة وسيلة لذلك التعبير، وإن كانت التيارات اليسارية قد تبنته بعد العشرينات من القرن العشرين (١٤ هـ) إلا أنه بقي وفيًا للدارونية أغلب حياته.

فإذا وجدنا من أحدهم ادعاء العلمية، ثم إذا به يتحول إلى عدوّ للدين، فليست المسألة مسألة شخص اقتنع بهذا الاتجاه وإنما هي أوسع من ذلك، إنها فئة قد تكون غير مقتنعة بعلمية العمل ولكنها مقتنعة بفائدته في ضرب الدين، وقد رأينا مدح ماركس لبوخنر؛ لأنه يمثل أداة جيدة في هدم الدين، وإن كان عمله بحسب ماركس غير علمي من وجهة نظره (٢)، ومثله في العالم الإسلامي عندما ظهرت تلك المجموعة الحاقدة على الإسلام واتخذت من العلم إطارًا لحركتها، فإذا لم يساعدها العلم رمت به واتجهت إلى أي مفكر غربي لا يقبل الدين، وهذا مما يفسر كثرة الأدوات التي استعان بها "سلامة موسى" لضرب الدين، وهي أبعد -كما سبق- من أن تكون خيارات فردية لمشروع فكري، وإنما هو معبّر عن مصالح فئةٍ جديدةٍ رعاها الاستعمار ورأت في تحطيم الدين طريقها الوحيد لتحقيق مصالحها.

ولم تُخْف الدراسات المتعصبة لـ"سلامة موسى" ذاك الأمر، فهم يعترفون بسطحيته وسذاجته في فهم العلم الحديث (٣)، إلا أنهم يرون بأن دوره الحقيقي


(١) انظر: المرجع السابق، المسلماني ص ١٥٦.
(٢) انظر: الباب الأول، الفصل الثاني.
(٣) انظر: مثلًا: دراسة د. مجدي عبد الحافظ، سلامة موسى بين النهضة والسقوط ص ٨٣ - ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>