للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمهم كان في هدم الدين، وتوظيف مثل تلك الأدوات في هذا المشروع الخبيث، فهو يعترف بأن الدارونية نزعت من قلبه العقائد الدينية، ولحاجة قلبه إلى عقيدة يطمئن إليها فقد وجدها في الدارونية (١)، وأصبح الهدف أن يحول الجماهير إلى هذه العقيدة "تأخر الشرق العربي في الأخذ بنظرية التطور وتأخرت بذلك ثقافتها. حتى إننا لا نجد إلى الآن كتابًا عربيًا مثلًا في "تطور الأديان". . . . ولا يمكن أن توجد. . . . إلا بعد أن تسلم الجماهير العربية المتعلمة بأن التطور عقيدة بل ديانة كما هو حقيقة. ." (٢). يصبح "دينًا جديدًا يتخذ في قلوبنا وعقولنا قداسة الأديان السماوية" (٣)، ولا يخفي باحث قريب من سلامة موسى حقده على الدين وحرصه على تحطيمه، وهو أمر يعبر به عن رأي طائفة حوله، فيقول حول انعكاس نظرية التطور على أتباعها: "لاكتشفنا أن انعكاس نظرية التطور على الحركة الفكرية المصرية (٤)، هو "التفريج الكظوم"، وهو "الانتقام"، هو الثورة العارمة على الغيبيات والثقافة الدينية، هو تحويل معنى التطور إلى دين جديد" (٥).

لقد أوصلت الدارونية الفلسفية أصحابها إلى نتائج عجيبة، فهي بعيدة كل البعد عن النظرية ذاتها، فالنظرية وصاحبها لم تتكلم عن الرب سبحانه ولم تتحدث عن الدين ولم تتحدث عن العقائد، صحيح أنها تحمل مفاهيم معارضة للربوبية، ولكن هذا وارد في أغلب الإنتاج الفكري المنتج في بيئة علمانية، ولكن هذا الانحراف يختلف عن تلك المبادئ التي وصلت إليها الدارونية الفلسفية، الدارونية الفلسفية هي في الحقيقة دين جديد يراد له أن يكون بديلًا عن الدين وشرائعه وعقائده وقيمه، وهذا ليس له علاقة بالنظرية في مجالها العلمي.

وهذه النتيجة توضح لنا صورة الانحراف بالعلم، وتتمثل في توظيفه


(١) سلامة موسى وأزمة الضمير العربي، د. غالي شكري ص ٨٩.
(٢) الإنسان قمة التطور، سلامة موسى ص ٢٣.
(٣) سلامة موسى .. ، السابق ص ١١٠.
(٤) علينا الانتباه إلى مسألة التعميم هذه، لأن رغبة الهدم والتدمير إنما هي في الفئة المتغربة (الدارونية والماركسية) وأمثالهما.
(٥) سلامة موسى .. ، السابق ص ١١٠، وانظر: سلامة موسى بين النهضة والتطوير، د. مجدي عبد الحافظ ص ٥٢ - ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>