للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبائل الوحشية في أستراليا وأمريكا وأفريقيا هي صورة من حالة الإنسانية أول وجودها، ودراسة نفسيتهم تعطينا صورة تقريبية لحالة الإنسان الأول. الطفل يرى في والده القوة والعلم والحكمة، ثم تدريجيًا يرفعها عن أبيه إلى إله مفارق للعالم (١). ولم أحب التوسع في ذكر ما قاله؛ لأنه قريب من الخلاصة التي ذكرها فرويد. ومن الواضح أن هؤلاء المتغربين حصروا أنفسهم في بيان الدين بالاتجاهين الاجتماعي أو النفسي، وأقفلوا الباب أمام ما جاء به الوحي بحجة عدم خضوعه للأسلوب العلمي (٢).

ومن الأمثلة على ذلك ما نجده عند الدكتور "محمد بيومي"، ففي فقرة بعنوان "فرويد: الدين كبديل للإحباطات النفسية" يقول: "ويمكن مقارنة فكرة ماركس التفاؤلية للمستقبل بنظرية فرويد التشاؤمية للدين"، ثم يذكر بأن أفكار فرويد منها ما هو مستمد من كتابات عصره في ميادين أخرى، إلا أن "ما هو جدير بالفحص هنا هو أن فرويد قد طور نظرية من أفكار استمدت أصلًا من ملاحظاته في عيادته النفسية" (٣)، ثم ذكر نظريته التي تبدأ بالطفل ونمو "عقدة أوديب"، وكيف أنها أساس الاعتقاد في الإله (٤). وأهم ما وجهه من اعتراض هو ما نقله عن المصدر الذي أخذ عنه مذهب فرويد، وهو أن تعميماته مستمدة أصلًا من عدد محدود من الشخصيات ثم يعممها على الإنسانية (٥).

وقريبًا منه نجد عند باحث آخر في علم الاجتماع الديني "د. زيدان عبد الباقي"، ففي فصل "النظريات النفسية والاجتماع الديني" ذكر بعضها، ومنها نظرية فرويد، وقد عرضها باختصار كما هي دون أي تعليق، وكأنه يحق لها الدخول ضمن النظريات المهمة في الموضوع (٦).

وفي السياق نفسه عرضها "فراس السواح"، وكان اعتراضه الوحيد عليها بأنها "إرجاعية"؛ أي: تُرجع سبب ظهور الدين إلى سبب غير الدين، وتجعل


(١) انظر: المرجع السابق ص ١٤٠ - ١٦٧.
(٢) سيأتي الحديث عن الاجتماعي في المبحث الثالث.
(٣) علم الاجتماع الديني، د. محمد بيومي ص ٢٨٤ - ٢٨٥.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ٢٨٥ - ٢٨٧.
(٥) انظر: المرجع السابق ص ١٨٩ - ١٩٠.
(٦) انظر: علم الاجتماع الديني، د. زيدان عبد الباقي ص ١٤٤ - ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>